208

الباب الرابع عشر في الخطب والمواعظ وما يتصل بذلك

حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله تعالى، قال: حدثنا الحسن بن فرج بن زهير البغدادي، قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو بكر الرسغي، قال: حدثنا علي بن هاشيم الرقي، عن يحيى بن همام الحلواني، عن مبشر بن إسماعيل،

عن الحسن(1) قال: كنت جالسا بالبصرة، وأنا حينئذ غلام أتطهر للصلاة، إذ مر بي رجل راكب بغلة شهباء متلثم بعمامة سوداء، فقال لي: ياحسن، أحسن وضوءك يحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، يا حسن، أما علمت أن الصلاة مكيال وميزان.

قال: فرفعت رأسي فتأملت، فإذا هو علي بن أبي طالب، فأسرعت في طهوري، وجعلت أقفوا أثره، إذ حانت منه إلتفاته، فقال لي: يا غلام، ألك حاجة؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، تفيدني كلاما ينفعني الله به في الدنيا والآخرة.

قال: يا غلام، إنه من صدق الله نجا، ومن أشفق من ذنبه أمن الردى، ومن زهد في هذه الدنيا قرت عيناه بما يرى من ثواب الله غدا.

ثم قال: يا غلام، ألا أزيدك؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين.

قال: إن سرك أن تلقى الله وهو عنك راض، فكن في هذه الدنيا زاهدا وفي الآخرة راغبا، وعليك بالصدق في جميع أمورك تنجو مع الناجين غدا، يا غلام، إن تزرع هذا الكلام نصب عينيك ينفعك الله به.

ثم أطلق عنان البغلة من يده، وقرص بطنها بعقبه، فجعلت أقفوا أثره، إذ دخل سوقا من أسواق البصرة، فسمعته يقول:

يا أهل البصرة، يا أهل البصيرة، يا أهل المؤتفكة، يا أهل تدمر أربعا إذا كنتم بالنهار الدنيا تخدمون، وبالليل على فرشكم تتقلبون، وفي خلال ذلك على عن الآخرة تغفلون، فمتى ترومون الزاد، ومتى تفكرون في المعاد؟

فقام إليه رجل من السوقة، فقال: يا أمير المؤمنين، إنه لا بد من طلب المعاش.

قال: يا أيها الرجل إن طلب المعاش لا يصدفك عن طلب الآخرة، ألا قلت: لا بد من طلب الإحتكار فأعذرك إن كنت معذورا؟!

فتولى الرجل وهو يبكي. فسمعته عليه السلام يقول: أقبل علي يا ذا الرجل، أزدك تبيانا: إنه لا بد لكل عامل من أن يوفى في القيامة أجر عمله، وعامل الدنيا إنما أجره النار.

مخ ۲۰۷