كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (25) إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا
بل تكون مجاري مياهها اوطأ من ارضها يتنعمون بثمارها و ( كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا ) رأوا ذلك من جنس ثمار الدنيا و ( قالوا ) عند ذلك ( هذا الذي رزقنا من قبل ) في الدنيا. والحكمة في كون ثمار الجنة من جنس ثمار الدنيا هو ان ذلك ادعى للرغبة الى نعيم الجنة واحسن وقعا في البشرى فإن النفوس تهش الى مألوفاتها ولو ذكر للناس ما لم يروا له نموذجا في الدنيا لما رغبوا فيه رغبتهم فيما يعرفونه ( وأتوا به ) الظاهر انه رزق الجنة ( متشابها ) فيما بينه في الحسن والجودة لم يختلط مع جيده ردي ( ولهم فيها ) في الجنة ( أزواج مطهرة ) طهرهن الله في خلقه لهن وناهيك بذلك وصفا ثابتا ومقتضى اطلاق التطهير انهن منزهات من كل ما يستقذر في خلقهن وأخلاقهن ( وهم فيها ) في الجنة ( خالدون ) مدى الأبد 26 ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما ) أي مثل يكون بحسب المناسبة في التمثل سواء كان بالحقير او بالخطير والاية تشعر بأنها توبيخ لمن استنكر ضرب الله للأمثال ويجوز ان يكون لمنع الاعتراض على ضرب الله للمثلين المتقدمين وغيرهما وان لم يسبق من احد اعتراض. ورويت في نزولها اسباب ولم تصح ولا تسلم من وجوه الشك والخدشة. ولا يخفى ان في ضرب المثل فوائد كبيرة في التلقين والفهم لا تحصل بدونه. فإنه بتمثيله بالمحسوسات والمعهودات والمألوفات يشتد تأثر النفس بها ويستلفت الذهن الى الإقبال على فهم الأمر الممثل له فيستحكم تأثر النفس به. ومعنى ( إن الله لا يستحيي ) هو ان ضرب المثل مع ما فيه من الحكمة واللطف في البيان لا يتركه الله لأجل حقارة الممثل به او ان الممثل له أعظم منه بكثير. وقد اقتضت المناسبة والتشبيه ان يستعار للترك المذكور لفظ الاستحياء الذي هو انفعال في النفس وخجل يمنع عن إبداء الشيء وان تعلق به غرض ( بعوضة ) من هذا البعوض المستحقر لصغره ( فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم ) والجاري على الحكمة في بيان الحقيقة ( وأما الذين كفروا فيقولون ) على سبيل الاستنكار والاستخفاف ( ما ذا أراد الله بهذا مثلا ) والظاهر انهم يقولون ( أراد الله ) على
مخ ۷۸