الفصل الأول في اعجازه
المعجز هو الذي يأتي به مدعي النبوة بعناية الله الخاصة خارقا للعادة وخارجا عن حدود القدرة البشرية وقوانين العلم والتعلم ليكون بذلك دليلا على صدق النبي وحجته في دعواه النبوة ودعوته
وجه شهادة المعجز
ودلالته على صدق النبي في دعواه ودعوته ليس إلا ان مدعي النبوة إذا كان ظاهر الصلاح موصوفا بالأمانة معروفا بصدق اللهجة والاستقامة لا يخالف العقل في دعوته وأساسياتها لم يجز عقلا اظهار المعجز على يده إلا إذا كان صادقا في دعوى النبوة ودعوتها. الا ترى انه لو كان مع صفاته المذكورة كاذبا في دعواه لكان اظهار المعجز على يده وتخصيص الله له بالعناية إغراء للناس بالجهل وتوريطا لهم في متاهات الضلال. وهذا قبيح ممتنع على جلال الله وقدسه
توضيح ذلك
هو أن الناس بحسب فطرتهم التي لا تدنسها رذائل الأهواء والعصبية إذا ظهر لهم صلاح الشخص وصدقه وأمانته واستقامته فيما يعرفونه من أحواله وأطواره توسموا بباطنه الخير وان باطنه موافق لظاهره في الصلاح. وكلما زادت خبرتهم بصلاح ظاهره زاد وثوقهم بصلاح باطنه. إلا انه مهما يكن من ذلك فإنه لا يبلغ بهم مرتبة العلم وثبات الاطمئنان بعصمته عن الكذب في دعواه وتبليغات دعوته فلا ينتظم تصديقهم له ولا يدوم انقيادهم إلى تبليغاته في دعوته. بل لا يزال اختلاج الشكوك يميل بهم يمينا وشمالا. لكن إذا خصته العناية الإلهية بكرامة المعجز وخارق العادة حصل العلم الثابت واطمأنت النفوس السليمة بصدقه وعصمته في دعواه وما يأتي به في دعوته. ويثبت اليقين وينتظم امره بالنظر إلى أنه يمتنع على جلال الله وقدسه في مثل هذه المزلقة ان يظهر المعجز وعنايته الخاصة على يد الكاذب المدلس بصلاح ظاهره. فإن اظهار المعجز حينئذ يكون مساعدة للمدلس على تدليسه ومشاركة له في اغوائه وإغراء للناس في الجهل الضار المهلك. وذلك لما ذكرناه من مقتضى فطرة الناس السليمة. فالمعجز الشاهد بصدق النبي في دعواه ودعوته هو ما يقوم بما ذكرنا من الفائدة في مثل ما ذكرناه من المقام والوجه
مخ ۳