52

Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

ایډیټر

علي معوض وعادل عبد الموجود

خپرندوی

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

۱۴۱۸ ه.ق

د خپرونکي ځای

بيروت

ژانرونه

فقه شافعي

‏يفعله الصحابه -رضي الله عنهم- والأئمة .

فأما مَنْ ليس له رتبةُ الاجتهادِ، وهو حكم كلِّ أهل العصرِ، وإنما يفتي فيما يُسْألُ عنه ناقلاً عن مذهبٍ صاحبه، فلو ظهر له ضَعْفُ مذهبِهِ لم يَجُزْ له أن يتركَهُ، فأيُّ فائدةٍ له في المناظَرَةِ، ومذهبُهُ معلومٌ، وليس له الفتوَى بغيره؟ وما يشكلُ عليه يلزمُهُ أن يقول: لعلَّ عند صاحب مَذْهبي جواباً عن هذا، فإني لسْتُ مستقلاً بالاجتهادِ في أصْل الشَّرْعِ، ولو كانتْ مباحثتهُ عن المسائل التي فيها وجهانِ، أو قولانِ لصاحبِهِ، لكان أَشْبَهَ، فإنه ربما يفتي بأحَدِهمَا، فيستفيد من البحثِ ميلاً إلى أحد الجانبيْنِ، ولا يرى المناظرات جاريةً فيها قطُ، بل ربَّما تَرَكَ المسألةَ التي فيها وجْهَانٍ أو قَوْلَانِ، وطَلَبَ مسألةً يكون الخلافُ فيها مبتوتاً.

الرابع:ألا يناظر إلاَّ في مسألةٍ واقعةٍ أو قريبةِ الوقوعِ غالباً، فإنَّ الصحابَةَ - رضي الله عنهم - ما تشاوَرُوا إلا فيما تجدَّد من الوقائعِ، أو ما يغلبُ وقوعه كالفَرائِضِ، ولا نَرَى المناظرِينَ يهتمُّون بانتقادِ المسائِلِ التي تعمُّ البلوَى بالفتوَى فيها، بل يطلبونَ الطبوليَّاتِ التي تسمعُ، فيتسع مجالُ الجدلِ فيها، كيفما كان الأمرُ، وربَّما يتركون ما يكثر وقوعُهُ، ويقولون: هذه مسألةٌ خَبَرِيَّة، أو هي من الزوايا، وليست من الطُّبُولِيَّاتِ، فمن العجائبِ أن يكون المطلبُ هو الحقَّ، ثم يتركون المسألةَ؛ لأنها خبريةٌ، ومدركُ الحقِّ فيها هو الإخبار! أو لأنها ليْسَتْ من الطُّبُولِ، فلا نطوِّل فيها الكلامَ.

والمقصود في الحقِّ أن يقصر الكلامُ، ويبلغ الغاية على القُرْب، لا أن يطول.

الخامس:أن تكونَ المناظرةُ في الخَلْوةِ أحبَّ إليه وأهمَّ من المحافلِ، وبين أَظْهُرِ الأكابِرِ والسلاطِينٍ، فإن الخَلْوَةِ أجمعُ للفَهْمِ، وأخرى بصفاءِ الذهْنِ، والفِكْر، ودرك الحقِّ، وفي حضورِ الجمعِ ما يحرِّك دواعِيَ الرياءِ، ويوجبُ الحِرصَ على نصرة كلِّ واحدٍ نفْسَهُ، محقّاً كان أو مُبْطِلاً، وأنتَ تَعلَمُ أن حِرْصَهم على المحافلِ والمجامعِ ليس للهِ، وأن الواحد منهم يخلو بصاحِبِهِ مدّةً طويلةً، فلا يكلِّمه، وربَّما يقترحُ عليه، فلا يجيبُ، وَإذا ظهر مَقْدَمٌ، أو انتظم مَجْمَعُ، لم يغادرْ في قوسِ الاحتيالِ مَنْزَعاً، حتى يكونَ هو المتخصِّصَ بالكلامِ.

السادس:أن يكون في طَلَب الحقِّ كناشدِ ضالَة، لا يفرِّق بين أن تظهر الضَّالَّة على يدِهِ أو علَى يدِ مَنْ يعاونه، ويَرى رفيقه معيناً لا خَصْماً، ويشكُرُهُ، ولا يذُمُّه، ويكرمُهُ، ویفرحُ به.

فهكذا كانتْ مشاوراتُ الصحابة - رضي الله عنهم - حتَّى إن امرأة ردَّت علَى عُمَرَ - رضي الله عنه - ونبَّهته على الحقِّ، وهو في خُطْبته علَى ملأ من الناس، فقال: أصابَتِ امْرَأةٌ وأخْطَأ رَجُل، وسأله رجلٌ عليّاً - رضي الله عنه - فأجابَهُ فقال: لَيْسَ كَذَلِكَ، يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، ولكنْ كَذَا كَذَا، فقال: أصَبْتَ وأخْطَأْتُ، فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم، واستدركَ ابنُ مسعودٍ عَلَى أبى موسَى الأشعريِّ - رضي الله عنهما - فقال أبو مُوسَى: لاَ تَسْألُّونِي عَنْ شَيْءٍ، وهذا الحِبْرُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، وذلك لما سُئِلَ أبو موسَى عن رِجُلٍ قاتَلَ في سبيلِ اللهِ، فَقُتِلَ، فقال: هُوَ في الجَنَّةِ، وكان أمير الكوفةِ، فقال ابنُ مسعودٍ، فقال: أَعِدْهُ على الأمِيرِ، فلعلَّه لم يفْهَمْ؟ فأعادوا عَليْهِ، فأعاد الجوابَ، فقال ابنُ مسعودٍ:

52