Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i
الوجيز في فقه الإمام الشافعي
ایډیټر
علي معوض وعادل عبد الموجود
خپرندوی
شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
۱۴۱۸ ه.ق
د خپرونکي ځای
بيروت
ژانرونه
والمُنَاظَرات، ومجالس البَحْث والجَدَل ـ فهي مبادىءُ عظيمةٌ لو استند علَيْها البحثُ، لخرج مُجْدِياً مُتَلَافِياً لكثيرٍ من الثُّغُور والمَثَالِبِ، وسَلِمَ من الانحراف والضلال وجاء موافقاً للمبادىء الإسلاميَّة السليمَةِ، وبذلك تعظُمُ الفائدَةُ، ويعمُّ النفْعُ، وقد أفصَحَ هو بنَفْسِهِ عن هذه الشُرُوط في كتابه «إحْيَاءِ عُلُوم الدِّين» وجعل هذه الشُّروط ثمانيةً:
الأوَّلُ:ألاَّ يشتغلَ بِهِ - وهُوَ منِ فروضِ الكفايات - مَنْ لم يتفِزَّعْ من فروض الأعيانِ، ومَنْ عليه فرضُ عينٍ، فاشتغلَ بفَرْضٍ كفايةٍ، وزعم أن مَقْصِدَهُ الحَقُّ، فهو كذَّاب؛ ومثاله: مَنْ يتركُ الصلاةَ في نفْسِهِ، ويتجرَّد في تحصيلِ الثيابِ ونَسْجها، ويقول: غَرضِي أسترُ عورةَ مَنْ يصلِّي عُرياناً، ولا يجدُ ثوباً؛ فإنَّ ذلك ربما يتفقُ، ووقوعُهُ ممكنٌ؛ كما يزعم الفقيهُ أن وقوعَ النوادرِ التي عنها البحثُ في الخلافِ ممكنٌ.
والمشتغلونَ بالمناظَرَةِ مهملونَ لأمورٍ هي فرضُ عينٍ بالاتفاقِ، ومَنْ توجَّه عليه ردُّ وديعةٍ في الحالِ، فقام وأحرَمَ بالصَّلاة التي هي أقربُ القرباتِ إلى الله تعالَى، عصى به، فلا يكفي في كونِ الشخْصِ مطيعاً كونُ فعلِهِ منْ جنْسِ الطاعاتِ؛ ما لم يراعِ فيه الوقْتَ، والشروطَ، والتَّرْتِيب.
الثاني:ألاَّ يرَى فرض كفايةِ أهَمَّ منِ المناظرةِ، فإن رأى ما هو أهمُّ، وفعلَ غيره، عصَى بفعله، وكان مثاله مثالَ من يَرى جماعةٌ من العِطَاشِ، أشرفوا على الهلاكِ، وقد أهملَهُمُ النَّاسُ، وهو قادرٌ على إحيائهمْ؛ بأن يسقيهم الماء، فأشتغلَ بتعلُّم الحجَامةِ، وزعم أنه من فروض الكفَايَاتِ، ولو خلا البلَدُ عنها، لَهَلَكَ الناسُ، وإذا قيل له: في البلد جماعةٌ من الحَجَّامين، وفيهم غُنْيَة، فيقولُ: هذا لا يُخْرِجُ هذا الفعلَ عن كونه فرْضَ كفايةٍ.
فحالُ من يفعلُ هذا، ويُهْمِلُ الاشتغالَ بالواقعةِ المُلِمَّة بجماعةِ المعطاشِ من المسلِمِينَ، كحال المشتغلِ بالمناظَرَةِ، وفي البلدِ فروضُ كفاياتٍ مهمَلَةٌ، لا قائمَ بها.
فأما الفتوَى، فقد قام بها جماعةٌ، ولا يخلو بلَدٌ من جملةِ الفروضِ المهمَلَةِ، ولا يلتفتُ الفقهاءُ إليها، وأقرّ بها الطِّبُّ؛ إذ لا يوجدُ في أكثرِ البلادِ طبيبٌ مُسْلِمٌ يجوزُ اعتمادُ شهادتِهِ فيما يعوَّلُ فيه علَى قولِ الطبيبِ شرعاً، ولا يرغب أحد من الفقهاءِ في الاشتغال به، وكذا الأمرُ بالمعْرُوفِ والنهي عن المِنْكَرِ، فهو من فروضِ الكفَايَاتِ، وربَّما يكون المناظرُ في مجلِسِ مناظرتِهِ مشاهداً للحريرِ ملبوساً، ومفْرُوشاً، وهو ساكتٌ، ويناظر في مسألةٍ لا يتفقُ وقوعُها قطُ، وإن وقعتْ، قامَ بها جماعةٌ من الفقهاء، ثم يزعمُ أنه يريدُ أن يتقرَّب إلى الله تعالَى بفروض الكفايات.
وقد روَى أنسٌ - رضي الله عنه - أنه «قيل: يَا رَسُولَ الله، مَتَى يُتْرَكُ الأمرُ بالْمعرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ؟ فقال عليه السَّلام: إذَا ظَهَرَتِ المُدَاهَنَةُ في خِيَارِكُمْ، والفَاحِشَةُ في شِرَارِكُمْ، وَتَحَوَّلَ المُلْكُ في صِغَارِكُمْ، والفِقْهُ في أُرَاذلكُمْ.
الثالثُ:أن يكون المناظرُ مجتهداً يفتِي برأيه لا بمذْهَبِ الشافعيِّ، وأبى حنيفة، وغيرهما؛ حتى إذا ظهر له الحقُّ من مذْهَبِ أبي حنيفةَ، تَرَكَ ما يوافقُ رأىَ الشافعيِّ، وأفتَى بما ظهر له؛ كما كان
51