فمن فروعها ما ذكره أبو زيد الدبوسي(٦٧) رحمه الله فى كتاب تأسيس النظر وهو أن الأصل عند أبي حنيفة رحمه الله أن من جمع في كلامه بين ما يتعلق به الحكم وبين ما لا يتعلق به الحكم فلا عبرة لما لا يتعلق به الحكم والعبرة لما يتعلق به الحكم، والحكم يتعلق به فكأنه لم يذكر في كلامه سوى ما يتعلق به الحكم ثم قال وعليه مسائل (٦٨) وسأذكر المسائل المتفرعة على هذا الضابط وبعد ذلك أذكر آراء الفقهاء وموقفهم من هذا الضابط الذي ذكره الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى.
فمنها إذا قال لفلان عليَّ ألف درهم ولهذا الحائط لزمه الألف كلها عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وعند الصاحبين وأبي عبد الله (٦٩) يلزمه النصف.
ومنها إذا قال لعبده ولبهيمة أحدكما حر، أو قال: هذا العبد أو هذه الدابة حُرٌ عتق العبد عنده نوى أو لم ينوِ وعندهما لا يعتق ما لم ينوِ، ومنها إذا قال: عبدي هذا حُرّ إنْ شاء الله لم يعمل الاستثناء عنده شيئاً وعتق العبد، وعندهما وأبي عبد الله لا يعتق.
ومنها إذا قال لامرأته وهي غير مدخول بها أنت طالق، وطالق إن شاء الله تعالى، عند أبي حنيفة تقع واحدة بائنة في الحال وكذلك لو قال لامرأته وهي مدخول بها: أنت طالق ثلاثاً وثلاثاً إن شاء الله، يقع الكل عند أبي حنيفة، وعندهما لا تطلق.
فإن قيل إن قال لامرأته ولبهيمة، أحدكما طالق هل يقع الطلاق؟ قيل له قياس أبي حنيفة رحمه الله يقتضي أن يقع ولكن لا رواية في هذا عنه، وعند الشافعية تطلق قلتُ وهو مذهب الجمهور لأن الحمار لا يقبل الحكم فينصرف إلى زوجته تصحيحاً لكلام المكلف على ما سيأتي بيانه.
ومنها إذا أوصى بثلث ماله لحي وميت. فالثلث كله للحي عند أبي حنيفة، وتابعه محمد، وأبو عبد الله، وهذا سواء علم بموته أم لم يعلم.
وقال أبو يوسف إن علم بموته فكذلك فإن لم يعلم فله نصف الثلث فإن قيل إذا قال لحي وميت، أو دآبة أوصيتُ إلى أحدكم، أو قال لرجلٍ وبهيمةٍ، أو كلب: لا أكلمكما وكلم الرجل هل يحنث قيل: لا يحفظ لهذه الفصول رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ولكن ينبغي أن
(٦٧) مرت ترجمته في ص ٣٠
(٦٨) تأسيس النظر لأبي زيد الدبوسي ص ١٨
(٦٩) هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي.