ورأي الشيخ النجار في الغزالي رأي وسط: فهو يرى أنه في جملته لا نظير له، وأن الحكم بتناقضه فيه شيء من المبالغة، لأن الرجل كان ينظر إلى الأشياء من جهات متعددة، وكان لسنه في ذلك أكبر تأثير. وينكر عليه المبالغة في متابعة الصوفية، ويضرب المثل بما يبيحه للفقير من تمزيق الثوب قطعا مربعة تصلح للترقيع ويقول: هذا الفقير إما أن يكون في حالة صحو أو في حالة ذهول؛ فإن كان ذاهلا فهو معذور، ولا حكم له، وإن كان صاحيا فهو عابث، لأنه ما معنى تمزيق الثوب بطريقة خاصة تجعله صالحا لأن يرقع به سواه؟ إن هذا إلا إتلاف! (9) رأي الشيخ حسين والي
الأستاذ الشيخ حسين والي من كبار العلماء ومؤلفاته تمتاز بالوضوح والبيان، وعلى الأخص (كتاب التوحيد) الذي ظهر منذ سنين، ولولا أنه شغل بالإدارة عن التأليف لكان لمصنفاته تأثير عظيم في بسط آراء المتقدمين في الأصول والتوحيد والأخلاق.
ويعد الشيخ حسين والي من أشد أنصار الغزالي، فهو يدافع عن وجهته في التصوف لأن التصوف في رأيه لا يخرج عن الأصول الإسلامية، والغلو الذي نراه في الإحياء ليس إلا تمكينا للمعاني التي يدعو إليها الغزالي. وهو لا يرى أن الغزالي قصد بمؤلفه فئة من الناس، وإنما يرى أنه كتبها لجميع الطوائف، وكل فريق يأخذ بقدر استعداده، وبقدر ما يصلح له من أنواع الخلال. والغزالي عنده معذور فيما وقع له من ضعيف الحديث . لأنه لم يرد غير تأييد وجهة نظره فيما اتفق له من الأحاديث والأخبار والآثار. ومن البعيد أن يضع حديثا في كتاب من كتبه وهو يعلم أنه موضوع أو ضعيف، مع ما عرف عنه من الأمانة والإخلاص. (10) رأي الشيخ عبد الباقي سرور
الأستاذ الشيخ عبد الباقي سرور من العلماء الأفذاذ الذين جمعوا بين المعقول والمنقول وكتابه عن «ماضي الإسلام وحاضره» الذي نشره في جريدة الأفكار من أدق ما كتب المصلحون في العهد الأخير. ويندر أن يظهر كتاب ولا يطلع عليه، فهو لذلك أعرف العلماء بالحركة الفكرية، وأعلمهم بما يجري في عالم السياسة، والفلسفة والاجتماع، وهو فوق ذلك أغير الناس على وطنه ودينه، وإنه لعلى خلق عظيم.
ويرى الشيخ عبد الباقي أنه ليس للغزالي مذهب خاص، وإنما يتنوع دفاعه بتنوع الرأي الذي يدافع عنه، وهذا منشأ ما في كتبه من تباين الآراء: فقد كان يحتج بأصول المعتزلة والأشعرية والكرامية، وهو يناقش الفلاسفة، ويريد أن يجمع في يده كل الأسلحة الفكرية ليدفع بها طغيان الفلسفة الذي كان يخشى على الدين من تياره. والشيخ عبد الباقي يرى أن التصوف في كتب الغزالي إنما كتب للصوفية، لا لجميع الناس، كما يظن ذلك كثير من الباحثين. ودليل هذا رجوعه في أخريات أيامه إلى دراسة كتب السنة حتى ليذكرون أنه مات والبخاري على صدره. ولعدم اختصاص الغزالي بمذهب خاص وجهة شريفة، هي تحري الحق والبحث عن عناصر القوة فيما كان لعهده من مختلف المذاهب. وهذه الوجهة فيما يرى الشيخ عبد الباقي ضمان للسلامة من التقاليد المذهبية التي تغل حرية الفكر، وتحرم الباحث من الانتفاع بثمرات العقول. (11) رأي الشيخ أحمد أمين
أحسن ما يوصف به الأستاذ الشيخ أحمد أمين أنه رجل نافع، فإن كتبه ورسائله مفعمة بالآراء الجيدة، التي تغرس الحياة في نفس المستفيد. وعمله في لجنة التأليف والترجمة والنشر عمل الرجل الذي يعرف أن لا حياة لأمته بغير العلم، ولهذه اللجنة أثر كبير في الحركة العلمية، ولأعضائها فضل عظيم على شباب هذا الجيل.
ويرى الشيخ أحمد أمين أن الغزالي حول الناس عن الاشتغال بالفلسفة، ورجعهم إلى الكتاب والسنة، وأعلى شأن التصوف والصوفية. وحبب ذلك إلى الناس. وأسلوبه في الترغيب والترهيب أنفع الأساليب في هداية الجماهير. ويرى معنا أن الغزالي لم يضع طريقة نافعة لخلوص المرء من شكوكه. وأن آراءه في الأخلاق لا تنفع في هذه الأيام، لأن المدنية الحديثة تتطلب قوة التنازع، وهو يفضل السلامة على كل شيء!
خاتمة الكتاب
الآن، وقد قدمنا للقارئ ما وفقنا إليه في درس الأخلاق عند الغزالي، نوصيه بأن يرجع إن شاء إلى كتاب الإحياء، وكتاب الميزان، وكتاب المنهاج، وكتاب المستصفى، وإلى المصادر الأجنبية التي ذكرناها في غير هذا المكان، وإلى كل ما يستطيع الوصول إليه مما يتعلق بالغزالي، ليعرف صحة ما في هذا الكتاب من مختلف الأحكام.
ونحن لا ننكر أننا كنا قساة في نقد الغزالي، ولكنا نرجو أن يتنبه القارئ أيضا إلى ما كشفنا الغطاء عنه من حسناته. ونحب أن يذكر الذين أسرفوا في اللوم عندما علموا بعض ما يحتويه هذا الكتاب، أننا لم نكتب لإرضائهم أو إغضابهم ، وإنما وضعنا نصب أعيننا غاية واحدة، هي خدمة العلم والتاريخ، خدمة خالصة لوجه الله، لا للناس.
ناپیژندل شوی مخ