والأستاذ جاد المولى بك لا يشك في أن المسلمين انتفعوا بالتصوف أيما انتفاع، وبقدر نفع التصوف بقدر جهد الغزالي في نشره وإذاعته. وقد كان الأستاذ جاد المولى بك يستشهد وهو يحدثني عن ذلك بما كتبه الأستاذ الغمراوي بك في كتاب الغرائز ويقول: إن الصوفي هو كالمعلم سواء بسواء، فكما يجب على المعلم أن يعمل لاستئصال الغرائز السيئة، وتوجيه الغرائز الحسنة إلى النواحي النافعة، كذلك يجب على الصوفي أن يراقب حركات المريدين، لأن التصوف ليس إلا رياضة للنفوس .
وبالرغم من عناية الغزالي بالتصوف فإن الأستاذ جاد المولى بك يراه من المجددين، وقد سألته عن معنى هذا التجديد، فقرر أنه يريد به النهوض بالأفكار الإسلامية التي آمن بها الغزالي، والتي كاد يقضي عليها تيار الفلسفة إذ ذاك. (5) رأي الشيخ عبد العزيز جاويش
والأستاذ عبد العزيز جاويش إمام من أئمة المسلمين في هذا العصر. وهو معروف في جميع الأقطار الإسلامية، وله أبحاث في فلسفة التشريع تعز على من رامها وتطول، وقد استفاد من النفي والاضطهاد أيما استفادة، ووقف بذلك على كثير من عقليات الأمم والشعوب، وعده الإنكليز من بين أعدائهم الألداء في الحرب العالمية. ولقبوه بالرجل الخطر المخيف.
ويعد الشيخ جاويش من خصوم الغزالي. فهو أولا يؤمن بقوة الغزالي ومتانته، ولكنه بعد ذلك يعجب من تساميه إلى منزلة المجتهد المطلق، مع أنه كان «جاهلا» بفن الحديث. ويرى الشيخ جاويش أن جهل الغزالي بهذا الفن هو المقتل الوحيد لقيمته العلمية، ولن ينفعه بعد ذلك ذيوع اسمه في العالمين. ويقرر الشيخ جاويش أن الغزالي متناقض، وأنه من الصعب تحديد آرائه لأنها قد تختلف في الكتاب الواحد، ولأنه لم ينكر شيئا إلا وقد قال به في بعض أحواله. (6) رأي الكونت دي جالارزا
ظل الكونت دي جالارزا أستاذا للفلسفة في الجامعة المصرية ست سنين، وهو نادرة النوادر في كرم الأخلاق. وله مؤلفات في الفلسفة لا عيب فيها غير الغموض، وعذره في ذلك أنه أجنبي عن اللغة العربية.
وهو من أشد أنصار الغزالي، ويراه المسلم الحق بين فلاسفة المسلمين ويعجب كثيرا بوجهته الروحية وله على الغزالي مأخذ واحد وهو منعه الناس من ورود مناهل العلم، مع أنه لم يمنع نفسه شيئا من العلوم. ويرى أن الغزالي حرم بذلك من كانوا أهلا للاستفادة، وإن كان عصم من ليسوا أهلا للانتفاع، من سواد الناس. والغزالي في رأيه غاية الغايات في الإخلاص. (7) رأي الدكتور العناني
الدكتور علي العناني من كبار الأساتذة في هذا العصر، وقد مكث في ألمانيا نحو عشر سنين، فتمكن بذلك من أن يدرس الفلسفة دراسة عميقة، وهو من أساتذة الجامعة المصرية.
والدكتور العناني ينظر إلى الغزالي نظرة خاصة، من حيث تطور الفكر الإسلامي فهو يرى أن الفكرة الإسلامية كانت تعتمد أولا على الوحي، ثم دخل العقل على أنه مفسر وموضح، ولكنه ما زال يقوى وينمو حتى كاد يستقل عن الوحي استقلالا تاما، فرأى الغزالي أن يقف في وجه هذا الاستقلال، فأخذ يحارب الفلاسفة ويناضلهم حتى أخمل ذكرهم في الشرق، وبذلك انتقلت الفلسفة إلى الأندلس، ووجدت هناك مرعاها الخصيب.
والدكتور العناني يرى أن الغزالي سلك تلك السبيل خضوعا للرأي العام في البداية، ولكنه تأثر بما دعا إليه في النهاية، وعاد حربا للعقل، وسلاما للمبادئ الروحية. وهو لا يصدق ما ذكره ابن تيمية من رجوعه إلى ظاهر الشريعة، فإن الرجل كان أخذ أخذا بمذاهب الصوفية، وإن كان لا ينكر مع ذلك أن له آراء كان يخفيها ويضن بها على الناس. (8) رأي الشيخ عبد الوهاب النجار
الأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار نادرة هذا العصر، فقد يندر أن يفوته شيء من معارف هذا الجيل. وهو أعرف الناس بروح العرب والإسلام. وقد درس الغزالي دراسة جيدة. وله على هذا الكتاب ملاحظات يراها القارئ في الهوامش، وهي ملاحظات سديدة لم نشأ أن نحرم منها القراء. وقد قابلته أخيرا فذكر لي أنه فاته أن يضع ملاحظة عما أخذته على الغزالي من تحريم الغناء في أكثر الأحيان، وهو يرى أن الغزالي محق فيما يقرر من الاكتفاء بإباحة الغناء حين لا يوجد موجب التحريم. لأن مهنة الغناء مجلبة للشقاء، وعلى الأخص حين تضطرب الأحوال.
ناپیژندل شوی مخ