ولما كان ليلة أربعة وعشرين من شهر رمضان قام بعض الرعية، وأخذتهم النخوة الإسلامية، واجتمعوا في بين لهم على الانفراد لئلا يظهر لهم على المراد، 92...وتعاهدوا على نصرة الإسلام، وهجم القلعة على اليمن اللئام، ووكلوا بعضهم بعضا الخواص بتعبئة البارود وصب الرصاص، ثم اشتوروا في كيفية ذلك، وكيف لنا الدخول في مثل هاتيك المهالك، فقالوا يعمد أحدنا إلى مجلس الوزير الكائن برأس العنبرية، ويحرقه من غير أن يفطن به في هذه العشية، ونحن نتزين (1) الدور الكائنة بقرب القلعة والسور، فإذا خرج الوزير لما دهمه من الأمر الخطير، هجمنا عليهم القلعة، وأوصلناهم إلى أقصى القلعة، وأوصلناهم إلى أقصى القلعة، فتموا وفعلوا ما عزموا عليه، وانتظروا بعد تزبينهم تلك البيوت مجيئ خبر حرق الكشك إليه، فما كان قدر فواق، حتى دهمه ذلك الأمر انعاق فخرج راكبا فرسه، لينظر كيف صار غثا بالاحتراق ما غرسه، فلم يكن ببعيد من مأواه حتى جاءه بعض من نصره أولا ورجع ناكصا على عقبيه، ولما استطمن في قلعته، وأمن من روعه بعد أن أغلق عليه القلعة من بغتته، سئل من نصحه وقمعه، عما كاد يهلكه وفصحه، فأخبره بكمال الصورة، وأكنه استشعر من مرارة بعض اضطلع على تلك السريرة، ولما رأى أولئك أنه قد خانهم التدبير وهوى بهم إلى حقيقى عقر البير، خرجوا طلبين الفرار لأنه لا مقعد لهم ولا قرار، فصادفوا بعد أن خرجوا من مقرهم بعض اليمن في الحماطة على ممرهم فواحدا قتلوه وآخر سلبوه ثم صاح الصائح ألا انفروا يا آل طيبة، وعجلوا بكامل عدتكم والعيبة، فما صدق الناس بمثل هذا الكلام حتى خرجوا من كل حدب نيسلون كالركام،، وصارت اليمن منهم من يسلل لواذا، ومنهم من يطلب ملجأ وملاذا، وحشر منهم في بئر لسبيل الحاكم المقابل الباب المصرى نحو خمسة وعشرين ظالم، فأخرجوا وقتلوا عن آخرهم وقتلوا من وقعوا عليه ممن كان في طرف الشريف وقطعوهم لدايرهم، وأما ما كان من أمر الموكلينبالقلعة السلطانية من تلك الطائفة الخارجية الشيطانية، فإنهم لما رأوا ما دهمهم من ذلك المنساب بادروا كالبرق إلى غلق الباب، ثم طلعوا إلى الأبراج، وأرموا هنان منافع البنادق والمدافع على الأوعار الفجاج، واستمروا على مثل هذه الأفعال مجدة نهر وليال وصار يطلع لهم بعض أهل المدينة إلى بعض 93...البيوت المشرفة عليهم الحصينة، ويرمونهم منها بالبنادق فيهدموالهم الرجال وينكسوا لهم البنادق، واستمروا معهم لمدة أيام، وهم معهم في شدة وآلام كل ذلك ولم يكترث بهم أحد، بل إن الطفل صار يسبجلب له النوم بصوت المدافع في المهد، ومع هذا لم يقتل أحد بتلك المدافع والبنادق، المنساب وابلها الهتان سوى بقرة وشاب أتته بارده أو أخر رمضان، غير أنهم كانوا خائفين من مجيئ جرده من عند شريفهم أو نجده، فاشتوروا فيما بينهم وأرسلوا لليمن بأن يخرجوا بالأمان، فما زادهم ذلك إلا فجورا وطغين، فقال لهم الرسول: إنى ناصح لكم فيما أقول، ووالله إنكم لم تذوقوا حربا ولا طعنا ولا ضربا، فإن أبيتم أن تكونوا سنان فستذوقوا الليلة وما بعدها الحرب والطعان، وان مدافعكم المحررة لم تصب أحدا سوى شاب وبقرة (وأنا لكم ناصح أمين) (1) (فاتقوا الله وأطيعون) (2) فلم يزدهم ذلك إلأ فجورا، وركوب عميا وغرورا، ولما وصل إلى أهل المدينة هذا الخبر كان أنكى عليهم من وكز الإبر، وعزموا على الحرب وشجة الطعن والضرب وطلعوا في الليل إلى تلك البيوت الشاهقة، وأنزلوا على من بالقلعة صواعق الداهية الماحقة، وقتلوا منهم جمعا لا يحصى، وصوبوا من لا يدخل عد ولا يستقصى، وكذلك (3) في كل ليلة على مثل ذلك، فصاروا ينامون واليمن لا ينامون، وأصابهم وبال النكال إن قعدوا أو قاموا، ثم وقعت المشورة بين الحكام بأن يحفروا الغبا تحت بعض الأطام ويفتكوا عليهم جدار السور، ويهبوا على أولئك صرصر الشمال وريح الديور، فجاء الخبر لليمن بما اضمروه، فوهى جدار بنيان تدبيرهم بعد أن عمروه، فأشاروا على وزيرهم بطلب الأمان، وحرضوا عليه في ذلك التسليم والإذعان، وقالوا لئن لم تسلم طوعا لا طاعة لك علينا ولا سمعا ، فقال لهم: إن الجردة تأتيكم عن قريب، فتأخذوا بثأر من قتل منكم بأوفر نصيب، فقالوا له: لا يفيد 94...الكلام، ولو كانت تأتينا بعد ثلاثة أيام، وتعاين له منهم الجد والتعدى فوق الطور والحد، فأرسل وطلب الأمان، فأمنوه على أن يخرج بما عليه كل أنسان، وأن يجدوا المحبوسين عمر عبد العال والآخر سالمين، فخرجوا على الشرط المذكور، وتركوا جميع ما في القلعة مدخور، ووضعوا في جبخانه البارود حبلا طويلا قد اشتبوا رأسه بالقتيل تكية منهم للمسلمين لانهم من القوم الظالمين، فأطفوه ورجع عليهم والوبال، وكان ذلك يوم الإثنين لسبعة عشر خلت من شوال، من غير أن يؤذى أحد بحال فلله الحمد على أحسن حال، وقد أرخ ذلك سيدى الجد عبد الرحمن بن سيدي الجد عبد الكريم الأنصاري في بيتين فقال:
خرج الوزير بشيعته ... وقد انقلعوا قوى قلعة
وأتى في الحال مؤرخهم ... خرجوا الزيور من القلعة (1)
مخ ۹۴