وحروا المدافع على صيوانه وجميع عرضيه وخيامه، وببوته التي كان نازلا بها في الواجهه، ولجحفوه بالرمى وهدموا عليه بعض منازله، فخرج منها خائفا يترقب، ونقبوا البيوت، ونقلوا عياله وأهله منها سوى الأموال فإنها ذهبت في الحرق والهدم والحرق، وحرقوا بالرمى غالب عرضيه من رجال، وخيل وجمال، وخيام ومحال، وأثاث وأموال، وصارت جماعة الشريف يعملون على القلعمة أنواع 88...الخدع فيكون مرجع وبالهم عليهم وكنت هذه القلعة من بناء السلطان كما يأتى راسخة البنيان، شرفها يحكى نجوم السماء، ويعصر عنه الطرف لكن دما، تجارى السحاب، ويزلق الطرف فيها كأنها سراب، يضرب بها المثل في الارتفاع والشهوق، تكاد تلامس ذروة نجوم الثريا والعيوق، فكأن الهامة لها عمامة ن أو أنملة إذا خضبها الأصيل كان الهلال لها قامة، ومن جملة ذلك أنهم تسوروا عليهم السور بالسلالم غير مرة، وكان شيخ العبيد من خيار رجال الشريف، مسرور ففطنوا لهم وأرموا عليهم الحجارة، فأنزلوهم إلى أن كادوا يصلون نجوم الأرض ووقعت الحجارة على رأس شيخ العبيد فهسكت البضة في رأسه، وخمدت روحه بأنفاسه، ثم تنبهوا لمثل هذه القضية فعملوا كشافيات مثلثة أينما حلت جلست، وكانوا إذا أحسوا بشيء من ذلك أشبوا النار فيها، ثم رموها موضع ما أحسوا، فتكشف لهم الرجال فينزل عليهم صب الوبال، ويقتولهم كيف ما شاءوا، واستمروا على مثل هذه الأحوال مدة أيام وليال إلى ضاق الشريف سرور، بما وقع عليه من الشرور وعزم على السفر، وكان حين أغلق باب القلع على من كان فيها كان من جملتهم نخولى صبيا لدوريش عبد العال فضاق ذرعه، وأخرجه على حين غفلة من القلعة، ففطن به أهل المدينة ممن يميل للشريف، فأخذه وأوصله للشريف، وقال له: هذا الآن خرج من القلعة وهو صبى لدوريش عبد العال فسأله الشريف عما في القلعة من الرجال فقال نحو عشرين مقاتل وما بقى نساء وأتباع وأطفال فهدده بالقتل إن لم يقر بالصحيح، ويبين ذلك بالصريح، فقال له: والله ما قلت زورا ولا أتيت فجورا، فيقال: إنه ضحك مليا وقال: هذا القدر يفعلوا في فعل القدر، ثم إنه حرض الرجال على اشتداد الحرب والنزال وساعدهم كثير من أهل المدينة ممن يميل لأولئك الأرجاس، فلم يزدادوا إلا انهزاما وانعكاس، وصار الشريف يحرض بنفسه العساكر، ويبنى بيديه بروج خدع الدساكر، فلم يزدد إلا انهضام ويرجع هبا ما بناه من الركام، ولما طال الحال، واشتد عليه القتال، قال: إننا ننام وأولئك (1) لا ينامون، ونحن جموع مجمعة وهم شرذمة قليلون، وإنهم لنا لغائطون، وإنا لجميعا منهم حاذورن، فليت شعرى لا كان الله 89...عن أغراني، حتى هانى ما دهانى، فلا حيرن علها فلأصبرن عليها صبرا الكرام، ولأ ناوشنهم الحرب ثلاثة أيام، فإن كان كالماضي فإنى ذاهب عنهم وماض وإن لم أكن بذلك راض، فنزل عليها بخيله ورجله، وكشف عن لئامه برفع خجله، عارضا فيها عذاب إليم، وذاق بما كسب الوبال أشد عذاب إليم، وذاق بما كسب من الوبال أشد عذاب عظيم، فعزم على السفر بعد أن شفى من خبال سقر، وأمرهم بشد الأحمال، وربط الأثقال خفافا وثقال، ونادى في الرجال: لا يأتين جنح الليل وقد بقى لكم خيط أو ميل فكان للشريف وساقوا ن وقالوا له: ما بقى إلا القليل فأعطناه كما عقدته على نفسك أولا من القيل فأبى إلا الرحيل، ومنادمة السفر الطويل، فزادهم ذلك صنعا ووهنوا ووضعوا وضعا، وكان عند الشريف رجل مغربي تاجر يدعى بالساحرن ولما رأى ما هم فيه من الأحوال، وكثرة القيل والقال جاء إلى الشريف وقال له: الآن تأخذ القلعة، ويحصل لك بذلك غاية المنعة، وفي الحقيقة أنه عند الله وضعه، وبأغراض نفسه الخبيثة عند الشيطان دفعه فدعى بطست قد ملأها، وقص يتلو لهدوما وقال له: ليكن جماعتك بغاية الحضور مجموعين نواحي السور، فإذا رأوا الرمى قد همد فليرتقوها على العمد، فكان الأمر كما ذكر، ولم يكن ذلك ببال بشر خظر، فما كان بد حصة حتى أشرق أولئك بالسحر وغصة وهمد الرمى، وضل كل منهم عن هذه وعمى، فخرقوا السور من ناحية باب الصفير وطلبوا منهم الأمان، فما كان جوابهم إلا الحسام والسنان.
كأنهم فتحوا أقلاع مالطة ... سلوا السيوف وجاءوا شارعى الأسل
وأذرعوهم قتلا وسلبا، وفتكا ونهبا، وهتكوا المحرمات، وأسروا الرجال والنيين والنبات، وعاملهم معاملة قسوة لا تلين، ما سمعنا بمثلها في آبائنا الأولين، ثم إنه جهز حوالة للمسير، وأخذ نحو خمسين ورجلا من أهل المدينة في شرك مخالبية أسير، سوى رجلين أحدهما عثمان سردن والآخر عمر عبد العال لكونه أصابه في وجهه...
مخ ۸۹