احمد عرابي زعيم مفتری علیه
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
ژانرونه
ولست أدري كيف كانت ضمائر هؤلاء الساسة تطاوعهم مع هذا على أن ينعتوا رجال مصر بالفوضى، وأن يصوروهم أطفالا في السياسة لا يدرون ما يأخذون وما يدعون؟ ولكن ما لي أعود إلى حديث الضمائر والأمر أمر السياسة وجشع السياسة؟
وضاقت بشريف السبل فلم يدر ماذا يفعل، ووقفت السفينة لا تستطيع حراكا، والريح من حولها عاصفة وليس في الجو بارقة أمل، والنواب لا يفتر إصرارهم ولا تنقطع زمجرتهم ...
وعاد مالت يحذر جرانفل فقال في صراحة: «إن التدخل المسلح سيصبح أمرا محتوما إذا تشبثنا بمنع المجلس من التصويت على الميزانية، ومع ذلك فجميع الحكومات تهتم بمنع ما يوجب هذا التدخل الذي إذا أقدمت عليه الدولتان وحدهما أدى إلى سوء المنقلب في هذا البلد .»
ولينظر في كلام مالت أولئك الذين يعودون باللوم على عرابي إذا ذكر الاحتلال والتدخل المسلح في شؤون مصر، ومتى يعلم هؤلاء أنه لو لم يوجد عرابي لعمل الإنجليز على خلقه؟
على الرغم من تحذير مالت أبلغت الحكومة المصرية رسميا في اليوم العشرين من شهر يناير سنة 1882، أن المجلس لن ينظر في الميزانية إلا إذا أخل بالأوامر العالية التي أنشئت بمقتضاها المراقبة الثنائية ...
وكان المجلس قد جنح إلى الاعتدال على الرغم من أنه يرى تدخل الدولتين عملا لا موجب له، فتساهل تساهلا لا يدع مجالا لاتهامه بالشطط أو التورط، فقبل أن يقتصر نظره في الميزانية على القدر الباقي منها بعد الجزية وقانون تصفية الديون والالتزامات الدولية ...
ولكن الدولتين أبتا عليه حتى هذا، وأكدتا لشريف أنهما لن يقبلاه بحال، وهذا في الحق هو الشطط، بل هذه هي الفتنة، والمسألة لا تحتاج إلى بيان، فما كانت مسألة الميزانية إلا ذريعة للتدخل الفاجر ردا على نجاح الثورة القومية بعد يوم عابدين، فقد كان هذا النجاح مؤذنا كما يبدو لأول وهلة بانقضاء عهد سيطرة الأجانب على البلاد ... ولئن تظاهر مالت وأمثاله من الإنجليز بأنهم لا يريدون التدخل فذلك كلام يسبق كل رغبة في التدخل تأتي من جانب المستعمرين ... والذي يفطن إليه المرء في غير طول نظر أن مالت كان ينصح بعدم التدخل لأنه كان يريد أن يبعد فرنسا فلا يحب أن يكون التدخل مشتركا، وإنما يحب كل الحب أن تكون الفريسة من نصيب إنجلترا وحدها.
قال بلنت يصف لقاءه كلفن وقت اشتداد الأزمة بين شريف والنواب: «كان الخصام بين النواب وشريف في أشد حالاته، فسأله عن رأيه في الموقف فقال: إنه يراه خطيرا جدا. وكان من الأمور الواضحة أن زعماء الحركة القومية قد صمموا على إسقاط شريف، فإذا نجحوا في ذلك فإنه كما قال يقطع صلته بهم، ثم أخبرني بأنه غير آراءه تغييرا تاما فيما يتصل بهؤلاء؛ فإنه ظنهم يجنحون إلى التعقل، ولكنه يرى ألا سبيل إلى تعقلهم، ولذلك سيبذل قصارى جهده للقضاء عليهم إذا وصلوا إلى الحكم، فسألته: كيف يتسنى له أن يقترح ذلك، وكيف يعترض حركة أقرها أخيرا، وقد خرجت عن طوقه وطوق كل شخص غيره؟ كيف يتسنى ذلك إلا بنفس التدخل الذي كنا نحاول جميعا أن نتجنبه؟ فقال: إنه غير رأيه حول التدخل كذلك، وإنه يراه الآن ضروريا، ويرى أنه لا مناص منه، وسوف لا يألو جهدا في العمل عليه، فاعترضته مبينا أن التدخل معناه الحرب والحرب معناها ضم مصر، فقال: إنه يدرك هذا المعنى كل الإدراك ... إن ما يحدث في مصر قد شوهد مثله مرات في الهند، وإن إنجلترا لن تتخلى عما تم لها من النفوذ في مصر، ومن العبث الكلام في حقوق المصريين وأخطائهم، فذلك ما لا يصح اعتباره، ثم كرر ما سلف أن قاله عن تحطيم الحركة القومية والحزب الوطني مضيفا إلى ذلك أنه لم يعد يجعل آراءه هذه سرا من الأسرار.»
وذكر بلنت كذلك كتابين جاءاه من صديقين له في إنجلترا أحدهما من الأحرار، وهو جون مورلي، والآخر من المحافظين، وهو ليتون. وكان قد كتب إليهما يسألهما عطفهما على الحركة القومية في مصر، فأما أولهما فيقول: «إني أشك في أن مشروعاتك تصادف نجاحا في هذا الوقت، إن مصر لسوء حظ أهلها ميدان للتنافس الأوربي، وستمنع تسوية شريفة فيما يهم مصالح أهلها لكي يتمشى ذلك مع ما يلائم فرنسا، وليست لي حيلة في ذلك، فإنها تلك النقمة التي نزلت بالدنيا ألا وهي: السياسة العليا التي ستفسد كل شيء.»
وأما ثانيهما فيقول: «إن هذه الفئة القليلة من الشعب الإنجليزي التي تفكر في الأمور الخارجية، قد امتلأت أذهانها من قبل واضطربت أفكارها بسبب ذلك الوضع الخاطئ الذي ننساق إليه في مصر، ويكادون يخافون أكبر الخوف من الجهر بآرائهم عن الموضوع، ويظهر لي أن آراءهم واهية، وفي رأيي أن هذه أولى ثمار تلك السياسة الخاطئة من أساسها التي أدت بنا إلى أن نفقد التعاون مع ألمانيا والنمسا، ووضعتنا في الواقع تحت رحمة فرنسا، تلك الدولة التي لا يمكننا أن نعقد معها تحالفا على أساس متين يدعو إلى الاطمئنان.»
ناپیژندل شوی مخ