احمد عرابي زعيم مفتری علیه
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
ژانرونه
إن اختيار رجل من الرجال دون غيره لقيادة حركة من الحركات أمر ينطوي لا ريب على معنى، فما ولدت الزعامة في الغالب إلا على هذه الصورة ، ففي ذلك الرجل توجد صفات يتميز بها من سواه فتجتمع عليه القلوب والأهواء في لحظة لا يكون للتنافس الشخصي فيها مجال، وهذا في رأيي من أفضل مقاييس الزعامة، وبخاصة إذا كان من يختار معروفا من قبل لمن يختارونه، فلا يكون إقبالهم عليه إعجابا وقتيا لا يلبث أن يتبين خطأهم فيه.
ولن يشذ عرابي عن هذه القاعدة، فإنما اختاره الضباط لما عرفوا فيه من صفات الجرأة والحماسة والإخلاص، ولما عهدوا ما عليه من الصدق وحسن الطوية، هذا إلى أنه كان يفوقهم من ناحية لا غنى عنها لزعيم من الزعماء ألا وهي فصاحة اللسان، فلقد كان هذا الرجل الذي جعل الجهل في مقدمة عيوبه أفصح الضباط لسانا، ولقد كانت الخطابة إحدى مواهبه حتى ليعد من أخطب رجال ذلك العهد، لا في الجيش فحسب، بل بين المواطنين جميعا ...
وامتاز أحمد عرابي بشيء آخر لعله خير ما امتاز به، وذلك أنه كان أكثر المصريين في الجيش سخطا على الشراكسة وأشدهم نفورا منهم، وأعظمهم اعتزازا وشعورا بقوميته، وهذا لعمري ما سوف يظل التاريخ يذكره عن هذا الرجل الذي جهله أكثر بني قومه زمنا طويلا، وما ستظل الأجيال تزداد منه وثوقا حتى يغدو هذا المصري الفلاح من أحب زعماء مصر إلى قلوب أهل مصر ...
وما كان اضطغان عرابي على الشراكسة لدافع شخصي، فهو مصري قبل كل اعتبار، وما يلحقه من أذى أو احتقار على أيدي هؤلاء إنما يناله رجلا ويناله مصريا في وقت واحد، ولم يقف سوء معاملاتهم عنده حتى يقال إنه غضب لما لحقه، وإنما كانت سياسة الشراكسة تعصبا لجنسهم على حساب المصريين، فكان هذا الضابط المصري أكثر أقرانه من المصريين نخوة وأعزهم نفسا، وفضلا عن هذا كله فقد حظي عرابي نفسه في أوائل عهد توفيق بالرقي إلى مرتبة أميرالاي، وكان ذلك كفيلا أن يزيل ما عسى أن يكون قد بقي في نفسه مما لحقه من أذى في عهد إسماعيل.
أعد الضباط عريضة بمطالبهم، ووقع عليها عرابي وزميلاه، وذهب ثلاثتهم فرفعوها إلى رياض باشا في منتصف يناير سنة 1881، وإنهم ليعلمون ما كان ينطوي عليه هذا العمل من جرأة في ذلك الوقت، وكان عرابي هو الذي يتكلم باسم زميليه وباسم الضباط جميعا، كما كان سعد يتكلم حينما ذهب مع زميلين له كذلك في مستهل الثورة الثانية إلى مقر المعتمد البريطاني يرفع مطالب مصر عقب الهدنة التي ختمت بها الحرب العالمية الأولى ...
وكان رياض يكره تقديم العرائض مهما كان من عدالة ما تحتوي من المطالب، وكان يلقي في السجن أو يحكم بالنفي على من يخطون مثل هذه الخطوة، كما حدث للسيد حسن موسى العقاد؛ فقد نفي إلى السودان لأنه انتقد إلغاء قانون المقابلة في الصورة التي جاءت بها لجنة التصفية، وكما حدث لكثيرين غيره ممن أخرجوا من مصر بسبب آرائهم الحرة.
وقابل رياض الضباط مغيظا محنقا، وخاطبهم في كبرياء وغلظة كما يقول عرابي، فقال لهم فيما قال: «إن أمر هذه العريضة مهلك، وهو أشد خطرا من عريضة أحمد فني الذي أرسل إلى السودان.»
وكان هذا الفتى قد نفي كذلك لأنه طلب المساواة في المعاملة بغيره من موظفي الديوان محتجا على ما كان يجري من صور المحسوبية، وقد قضى في منفاه نحبه.
يقول عرابي: «فأجبته بأننا لم نطلب إلا حقا وعدلا، وليس في طلب الحق من خطر؛ وإنا لنعتبرك أبا للمصريين، فما هذا التلويح والتخويف؟ فقال: ليس في البلاد من هو أهل لأن يكون عضوا في مجلس النواب، فقلت له: إنك مصري وباقي النظار مصريون والخديو أيضا مصري، أتظن أن مصر ولدتكم ثم عقمت؟ كلا فإن فيها العلماء والحكماء والنبهاء، وعلى فرض أن ليس فيها من يليق لأن يكون عضوا في مجلس النواب، أفلا يمكن إنشاء مجلس يستمد من معارفكم ويكون كمدرسة ابتدائية تخرج لنا بعد خمسة أعوام رجالا يخدمون الوطن بصائب فكرهم، ويعضدون الحكومة في مشروعاتهم الوطنية؟ فانبهر وكأنما كبر لديه ما سمعه منا، ثم قال: سننظر بدقة في طلباتكم هذه، فانصرفنا على ذلك.»
ويتضمن كلام عرابي هذا أنه طالب بمجلس للنواب، ولكن بلنت يورد الحادث في كتابه على صورة أخرى قائلا إنه يورده كما علمه من عرابي، قال عرابي في رواية بلنت ما ترجمته: «ذهبنا بعريضتنا إلى وزارة الداخلية، وطلبنا أن نقابل رياضا فأدخلنا حجرة خارجية ودخلنا ننتظر حتى قرأ الوزير العريضة في حجرة داخلية، ثم ما لبث أن جاء إلينا يقول: إن عريضتكم مهلكة، ماذا تطلبون؟ أتطلبون تغيير الوزارة؟ وماذا تضعون مكانها، ومن تقترحون ليدير شئون الحكومة؟ وأجبته قائلا: يا سعادة الباشا، هل مصر امرأة ولدت ثمانية أبناء ثم عقمت، وقد أردته بهذا والوزراء السبعة تحت إمرته.»
ناپیژندل شوی مخ