فهذا الكلام من هذا الشيخ العلامة ، والذي نرد من مناهله ، ونقتبس من أنواره ، ونعد نفوسنا عيالا عليه ، ويقهقرنا عن الأخذ بخلافه ، تقيدا لا تقليدا ، لأن تقليد غير المعصوم ، لا يصح عندنا ، غير أننا نقول : أن الاحتجاج بمثل حديث العجلاني ضعيف ، لأن تطليقه إياها ثلاثا ، بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إنما كان في موضع الملاعنة ، وقضيته على ما رواه أحمد ، والشيخان ، عن سهيل بن سعد : أن عويمر العجلاني ، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا ، أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : قد أنزل الله فيك ، وفي صاحبتك ، قرآنا ، فأت بها ، فتلاعنا ، وأنا مع الناس عند رسول الله ، فلما فرغ ، قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله ، أن أمسكها ، فطلقها ثلاثا ، قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال ابن شهاب : فكانت سنة الملاعنة ، وفي حديث ابن عمر ، المتفق عليه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بينهما ، فهذا التفريق يحتمل ، بسبب الملاعنة ، فلا دليل فيه ، على وقوع الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة ، وقد جاء في رواية أخرى ، أنه قال لها : أنت الطلاق ، أنت الطالق ، فإن صح ذلك ، فهو غير طلاق الثلاث ، بمعنى : أنت طالق ، فهو غير ما قلناه آنفا ، من أن الطلاق يتبع الطلاق ، إذا أتى به مكررا ، فلا حجة فيه ، على كل الأمرين ، بل الحجة التي ينبغي أن يعول عليها في هذا ، إطباق الصحابة على ما رواه عمر - رضي الله عنه - ، وما كان له ، ولا لهم ، أن يخالفوا رسول الله ، فهو الذي جاءهم بالهدى ، وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور ، وإنما عملوا بذلك لشيء علموه من نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، فإنهم أهل الهدى ، فبهداهم اقتده فكما أخذ المسلمون ومن معهم ، بقول عمر ومن معه في حد الخمر ، أخذوا بقولهم في الطلاق ثلاثا بلفظة واحدة ، ولكن القضية - كما قدمنا - على ما فيها من الأقوال والاستدلال ، ولا تزال قضية اجتهاد ومجال ، فمن عمل بشيء من القولين المشهورين ، فقد وافق الحق والهدي إلى الصواب ، والحمد لله الكريم الوهاب.
وبهذا نكتفي عن الإطالة في المسألة ، وما فيها من رد وجواز ، اعتمادا على فهمكم وإطلاعكم ، ونحن نعترف، بأننا لم نزدكم فيها علما ، إلا ما فهمتموه منا ، من تسويغنا لكم ، الأخذ بما أشرتم إليه ، فاعتمدوا عليه ، والله يوفقنا وإياكم لما فيه إتباع أهل الهدى ، ويرشدنا لما فيه رضاه ، بفضله وكرمه ،وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ، تسليما كثيرا إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين .
مخ ۱۵