بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله ، وصحبه وسلم .
جواب من فضيلة الشيخ العلامة إبراهيم بن سعيد العبري ، إلى سائليه من علماء البحرين ، أصحاب الفضيلة العلماء / عبد الله بن محمد ، وجميل بن مبارك ، ونصر بن سيف ، فسألتومنا - تكريما وتشريفا - : عمن طلق امرأته ثلاثا بلفظة واحدة (¬1) ، قائلين : ما الأرجح المعمول عليه الآن عندكم ؟ وهل يكون هالكا من أخذ بغير المعمول عليه الآن ؟ حيث جعل ذلك كتطليقة واحدة ... الخ .
الجواب : إن هذه المسألة ، قد عظمت بها المحنة ، واشتدت إليها الحاجة ، ونحن مثلكم فيها ، نود أن نجد من يرشدنا ، إلى ما هو الحق فيها ، ممن هم فوقنا ، علما ودراية ، وأكثر منا حفظا ورواية ، لأنا وجدنا علماء السلف والخلف ، فيها مختلفين :
¬__________
(¬1) هكذا في النسخة ص 15 ، ولعله خطأ مطبعي يراد به ( على من طلق زوجته واحدا بلفظ الثلاث ) .
مخ ۳
? فمنهم : من يرى الثلاث كالواحدة ، عملا بما كان عليه الأمر فيها ، زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزمان الخليفة الأول - رضي الله عنه - ، وصدرا من خلافة الفاروق - رضي الله عنه - .
? ومنهم : من يراها كالثلاث ، وأنها لا تحل له ، حتى تنكح زوجا غيره ، إن وقع ذلك بعد الدخول .
? ومنهم : من لا يرى ذلك البتة ، لأنه طلاق البدعة ، وقد كثرت عنها الأقوال ، وطال فيها الجدال ، وأفردت المؤلفات ، القصار والطوال .
فأما القول الأول ، وهو : أنها تطلق ثلاثا : فهو قول جمهور التابعين ، وكثير من الصحابة ، ومنهم : ابن عباس ، وعمر - رضي الله عنهم - ، وأكثر أصحابنا ، وأئمة المذاهب الأربعة ، وطائفة من أهل البيت ، منهم : علي بن أبي طالب ، والإمام يحيى ، والناصر ، وحكى - أيضا - عن بعض الإمامية (¬1) ، وقالوا : أن الطلاق يتبع الطلاق ، أي سواء كان بلفظة واحدة ، أو بألفاظ متفرقة .
¬__________
(¬1) الامامية ، هم : الإثناء عشر من فرق المسلمين ، الذين تمسكوا بحق علي ، وقالوا : بإثنى عشر إماما ، آخر هم محمد المهدي بن الحسن العسكري .
مخ ۴
وأما القول الثاني : وهو : كونه طلاقا واحد فقط ، فقد حكاه صاحب البحر ، عن أبي موسى ، ورواه قوم عن علي ، وطاوس ، وعطاء ، وجابر بن زيد ، والهادي ، والقاسم ، والباقر ، و أحمد بن عيسى ، وعبد الله بن موسى ، ورواية عن زيد بن علي ، وابن عباس ، والناصر ، وإليه ذهب جماعة من المحققين ، منهم : ابن تيمية ، وابن القيم ، وابن القاسم ، وقد نقله ابن المغيث (¬1) في كتاب : " الوثائق " ، عن محمد بن وضاح ، ونقل الغنوي - كذلك - عن أصحاب ابن عباس ، كعطاء ، وطاوس ، وعمرو بن دينار ، وغيرهم ، من المتقدمين والمتأخرين .
وأما القول الثالث ، وهو : أنه لا يقع بذلك طلاق أصلا ، فقد ذهب إليه الكثير من الامامية ، وقد حكي عن بعض التابعين ، وروي عن ابن عليه ، وهشام بن الحكم ، وبه قال أبو عبيدة ، وهو غير أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة ، الضرير ، المحدث ، الأباضي ، شيخ الربيع بن حبيب ، وأصحابه ، وبه قال بعض أهل الظاهر ، وجميع من يقول : أن الطلاق البدعي لا يقع ، لأن الثلاث بلفظة واحدة ، أو بألفاظ متتابعة هو منه .
¬__________
(¬1) ابن المغيث ، هو : الإمام ، العلامة ، الحافظ ، المفتي الكبير ، أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن الإمام المحدث يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث القرطبي المالكي الأندلسي ، ولد في رجب عام : 447ه ، وتوفي في جمادى الآخرة عام : 532ه .
مخ ۵
فهذا حاصل ما في هذه المسألة ، من اختلاف علماء الإسلام ، ولكن المهم ما هو أرجحها وأصحها ، بواضح الأدلة ، وصحيح النظر ، وفي هذا معترك الأفكار والأنظار ، ومخافة الزلة والعثار ، فإذا نظرنا أولا إلى مدلول الآية - آية الطلاق من سورة البقرة - وهي قوله تعالى : { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } (¬1) ، رأينا أنها تدل على تتابع الطلاق ، بمجرد اللفظ وحده ، ولكنه تتابع المرات ، فيما إذا طلقها ، ثم راجعها ، ثم طلقها ، ثم راجعها ، فهاتان الطلقتان ، هما اللتان يملك فيهما الرجعة ، فإن طلقها بعد ذلك ، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وأما كون المرتين ، بقوله : أنت طالق مرتين ، أو الثلاث ،بقوله : أنت طالق ثلاثا ، فلا يدل عليه مفهوم لفظ الآية الكريمة البتة ، ولذلك قال بعض المفسرين : وإنما قال سبحانه : { مرتان } ، إشارة إلى أنه ينبغي أن يكون الطلاق مرة بعد مرة ، لا طلقتان دفعة واحدة ، لأنه لو أراد ذلك ، لقال : الطلاق طلقتان ، وما كان مرة بعد مرة ، لم يملك المكلف إيقاع مراته كلها جملة واحدة كاللعان ، فإنه لو قال : أشهد بالله أربع شهادات ، أني لمن الصادقين ، كان مرة واحدة ، ولو حلف في القسامة ، وقال : أقسم بالله خمسين يمينا ، أن هذه قاتلة ، كان يمينا واحدة ، ولو قال المقر بالزنا : أنا أقر أربع مرات أني زنيت ، كان مرة واحدة .
فتلخص من ذلك ، أن الآية تدل على ما ذهب إليه الجمهور ، من تتابع الطلاق باللفظ ، وكذلك اللغة ، والعرف ، لا يقتضيان التكرار بمجرد الألفاظ ، فيما يكون فعله بالمرات المتتابعات ، فما بقي لنا إلا النظر فيما تعضده السنة المطهرة .
¬__________
(¬1) سورة البقرة : 229.
مخ ۶
وقد علمتم ، أنه لم يكن طلاق الثلاث في عهده - صلى الله عليه وسلم - ، إلا واحدة على الصحيح ، ويؤيد ذلك ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - : أن ركانة طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد ، فحزن عليها حزنا شديدا ، فسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - : كيف طلقتها ؟ قال : فقال : في مجلس واحد ؟ قال : نعم ، قال : إن تلك الطلقة واحدة فأرجعها ، قال : فأرجعها " (¬1) ، رواه أحمد في مسنده ، وكذلك حديث الرجل الذي طلق امرأته ثلاثا ، فلما أخبر النبي بذلك ، غضب غضبا شديدا ، وقال : أيتلاعب بكتاب الله عز وجل وأنا بين أظهركم ، أو كما قال (¬2) ، فهذا يؤيد ما ذهب إليه القائلون بالواحدة ، فمن تشجع وعمل بذلك من المجتهدين ، فلا يخطأ ولا يعنف ، لأن ظاهر الكتاب والسنة يؤيدان : { ولكل درجات مما عملوا } (¬3) ، { ففهمناها سليمان وكلا أتينا حكما وعلما } (¬4) ،
¬__________
(¬1) حديث ركانة ، وهو : ركانة بن عبد يزيد ، وامرأته سهيمة المزنية ، رواه : الشافعي ، والترمذي ، وأبو داوود ، وحسنه وصححه ابن حبان ، والحاكم ، في : " نيل الأوطار " ج 6 ، ص : 226 ، من : " شرح التقريب " ، لعبد الرحيم بن الحسين العراقي ( ت : 806ه) ، ج 7، ص : 81-93.
(¬2) والرجل المقصود به في الحديث ، هو : رفاعة ( بكسر الراء ) القرظي ، من بني قريظة ، وهو ابن سموال ، وهو أحد العشرة الذي نزل فيهم قوله تعالى : { ولقد وصلنا لهم القول } - سورة القصص : 51- وامرأته التي طلقها ثلاثا ، على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واسمها : تميمة بنت وهب ، وقيل : اسمها : أميمة بنت الحارث ، وقيل : تميمة بنت أبي عبيد القرظي ، ذكرت في المبهمات ، رواه العراقي في : " التقريب " .
(¬3) سورة الأحقاف : 19 .
(¬4) سورة الأنبياء : 79 ..
مخ ۷
ولا يزال اختلاف العلماء في الفروع رحمة ، وسعة للمجتهدين ، قال الشوكاني : وقد اختلف أهل العلم في إرسال الثلاث دفعة واحدة ، هل يقع ثلاثا ، أو واحدة فقط ؟ فذهب إلى الأول الجمهور ، وذهب إلى الثاني من عداهم ، وهو الحق ، قال : وقد قررته في مؤلفاتي تقريرا بالغا ، وأقررته برسالة مستقلة ، انتهى .
مخ ۸
والأمر الذي دعى سيدنا عمر - رضي الله عنه - ، إلى مشاورة الصحابة ، في جعله ثلاثا ، هو ما صرح به في قوله : أن الناس قد تعجلوا أمرا كان لهم ، فيه أناءة ، كما قال العلامة ابن تيمية عن عمر في إيقاعه الثلاث : أنه جعله في إكثارهم منه ، فعاقبهم على الإكثار منه ، لما عصوا بجمع الثلاث ، فيكون عقوبة من لم يتق الله ، من التقرير الذي يرجع فيه اجتهاد الأئمة ، كالزيادة على الأربعين في حد الخمر ، لما أكثر الناس منها ، وأظهروها ، فساغت الزيادة عقوبة ، ولنا أن نقول : أنه ينبغي الآن ، أن يعكس هذا الأمر ، فيجعل الثلاث واحدة ، وذلك لما رآه عمر وأصحابه زجرا للناس ، لم يزجرهم عن بدعتهم ، فلا تجد اليوم أكثر من واحد في المائة ، يطلق زوجته طلاق السنة ، فإذا حملت الرجل سورة الغضب على امرأته ، طلقها ثلاثا ، ولا يريد أن يترك له سبيلا إليها ، ولربما زاد فوق ذلك من التغليظ لا حاجة إلى ذكره ، ولا يذكر عند ذلك قوله تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } (¬1) وقول بعض السلف : لم يندم من طلق طلاق السنة ، فعسى إذا علم الجهال ، أن هذا التغليظ والتأكيد ، في لفظ الطلاق ، لا يزيد المرأة غير طلاق واحد ، أن يتركوا بدعتهم ، ويقتصروا على السنة ، فيكون هذا راجعا إلى الاجتهاد ، يرجى فيه تخفيف البدعة ، وزجر الناس عنها ، وهذا فيمن يطلق ثلاثا بلفظ واحد ، وأما من قال لزوجته ، بعد الدخول بها : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، بتكرار ألفاظ الطلاق ، فإنها تطلق بذلك ثلاثا ، وقد أجمع على ذلك أصحابنا ، وذلك أن الطلاق يتبع الطلاق ، ما كانت في العدة الرجعية ، لإجماعهم : أن المعتدة الرجعية ، يلحقها طلاق الزوج ، وظهاره ، وإيلاؤه ، ما لم تخرج من عدتها ، لأن عصمتها لم تنقطع عنه ، حتى تخرج من عدتها ، بدليل : أنها ترثه ، ويرثها ، وتحل له الخلوة معها ، ويحرم عليه تزويج من لا تجتمع من قريباتها.
¬__________
(¬1) سورة الطلاق :1.
مخ ۹
ومما يوضح ذلك ، ويدل على الفرق بين التكرار وعدمه ، فيما إذا حلف حالف ، أن يقول : سبحان الله وبحمده ثلاث مرات ، فقال سبحان الله ثلاثا ، لم يبر في يمينه ، حتى يقوله ثلاث مرات ، بإعادة الكلمتين ، وهذا لا يخفى على ذوي البصائر من أمثالكم .
فقد صرحنا لكم ، أن القول : بكون الطلاق الثلاث واحدة فقط ، سائغ ، والعمل به واسع ، ووجهه طاهر ، ودليله واضح ، وصوابه لائح ، وإليه يميل زميلنا - بل شيخنا - سعيد بن احمد بن سليمان الكندي (¬1)
¬__________
(¬1) عالم فقيه ، حافظ كبير ، توفي بتاريخ : 20/4/1964م ، بمسقط ، تولى رئاسة القضاء بالمحكمة الشرعية ، أيام السلطان سعيد بن تيمور - سلطان عمان - وتوفي عن عمر يناهز التسعين سنة ، ولد بنزوى ، وأدرك أشياخه الذين أخذ منهم العلم : الشيخ عامر بن خميس المالكي ، والشيخ عبد الله بن عامر العزري ، والشيخ أبو زيد عبد الله بن محمد الريامي ، وهم - يومئذ - قضاة للإمام محمد بن عبد الله الخليلي ، بنزوى ، والتحق بدرجة القضاء بعدهم بنزوى ، ثم بمسقط ، ونسبه من آل كندة ، من أولاد ، مهذب ، وله أسئلة وأجوبة ، نظما ونثرا ، وأشعاره نفيسة ، في الفقه ، والتاريخ ، وترك من الذرية ولده / أحمد ..
مخ ۱۰
السمدي النزوي - أحد قضاة هذه المحكمة - المسئولين من قبلكم ، ونحن يؤخرنا عن الجزم به ، ما نجده عن أئمتنا ، وقادتنا ، في ديننا ، من علمائنا المجتهدين ، وأشياخنا الفطاحل المحققين ، مع قصور باعنا ، وقلة متاعنا ، فها نحن ننقل لكم هنا ، جوابا من أحد أشياخنا ، وهو : نور الدين العلامة عبد الله بن حميد السالمي (¬1) - رضي الله عنه - ، لمن سأله من تلامذته المسترشدين ، عن خصوص مسألتكم العانية ، فنأتي بالجواب ، دون السؤال ، طلبا للاختصار :
سئل - رحمه الله - : عمن طلق زوجته سبع عشرة مرة ؟ فأجابه بما نصه :
¬__________
(¬1) ولد الشيخ السالمي ، عام : 1286ه ، وتوفي عام : 1332ه ، وترجم عنه الكثير في مؤلفاته ، المطبوعة ، والمنشورة ، وكفى بذلك بيانا وعلما ، عن مكانة الإمام المذكور ، ويعني به جوابه - رحمه الله - ، الوارد في أجوبته المعنونة : " بجوابات الإمام السالمي " ، ج 3 ، ص : 169 ، الواقع في ست مجلدات ، والسابع للفهارس ، الطبعة الأولى : 1417ه ، تنسيق ومراجعة الدكتور / عبد الستار أبو غدة .
مخ ۱۱
الجواب : أقول فيها : بقول ابن عباس - رضي الله عنهما - : أنها تبين منه بثلاث ، والباقي عليه أوزار ، والأحاديث التي نقلتها في صدر سؤالكم ، كلها أدلة لهذا القول ، ولا معارض ، فأما ما احتج به البعض ، بأنها من البدع ، وأن البدع مردودة ، لحديث رسول الله : " من أتى في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " (¬1) فليس بشيء ، لأن غاية ما فيه رد البدعة ، ونحن نقول : أنها مردودة على صاحبها ، وردها : أن لا تقبل منه ، فأما طلاق البدعة ، فقد نقل ابن حجر ، الإجماع على وقوعه ، وما علل به الشوكاني ، من قوله : أن الطلاق لا يتبع الطلاق ، فليس بشيء ، لأنه لا خلاف في إتباع الطلاق للطلاق ، فلو طلقها مرة ، ثم طلقها أخرى في العدة ، وقع الطلاق إجماعا ، يعني : إجماعنا معشر الأباضية ، ومن وافقنا من مشاهير علماء الأمة ، و إلا فعند ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، ومن وافقهما من المجتهدين ، كالعلامة الشوكاني ، ومحمد صديق حسن خان البخاري ، أن الطلاق لا يتبع الطلاق ، ولا يكون إلا بعد مراجعة ، عملا بما دل عليه ظاهر آية الطلاق التي قدمنا ذكرها ، وأشرنا إليه .
¬__________
(¬1) نص الحديث " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ، ورد في كتاب " فيض القدير " ، رقم الحديث : 8333 ، ورمزه : ق د ه ، عن عائشة ، وصححه ، أي : رواه : مسلم ، والبخاري ، وأبو داوود ، وابن ماجه ، ومثله في : " كنز العمال " ، ج1 ، ورقم الحديث : 1101.
مخ ۱۲
ثم نعود لكم ، إلى قول الشيخ - رحمه الله - في جوابه ، حيث قال : وأما وقوع طلاق الثلاث ، بقوله : أنت طالق ثلاثا ، فليس من إتباع الطلاق للطلاق ، وإنما هو من باب إيقاعه بلفظ واحد ، على خلاف السنة ، وأكثر الأصحاب ، على وقوع الطلاق ثلاثا بذلك ، ومنهم من جعلها واحدة ، لكنه شاذ في الأثر ، فنحن بآثارهم نقتدي ، وبهداهم نهتدي ، إذ لم يقصروا - رحمهم الله - ، عن التماس الهدى ، بل جاهدوا في الله حق جهاده ، { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } (¬1) ، انتهى كلام الشيخ .
وقال - أيضا- في جواب له في نفس المسألة ، ما نصه :
الجواب : الذي عليه الفتوى ، من أهل المذهب - رحمهم الله - أنه لا سبيل له عليها ، لما يروى عن العجلاني : طلق امرأته ثلاثا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له - عليه السلام - : لا سبيل لك عليها ، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن رجلا جاءه ، فقال : يا رسول الله ، إني طلقت امرأتي ألفا ، فقال - عليه السلام - : " بانت منك امرأتك بثلاث ، وتسعمائة وسبعة وتسعون عليك معصية ، وأنت ظالم لها ، وظلمت نفسك " (¬2) ،
¬__________
(¬1) سورة العنكبوت : 69.
(¬2) هذا الحديث : أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ، من حديث عبادة بن الصامت ، قال : طلق جدي امرأة له ألف تطليقة ، فانطلق إلى رسول الله ... الخ ، وأجيب بأن راويه ضعيف ، من أن والده عبادة بن الصامت لم يدرك الإسلام ، فكيف بجده ، وأخرج بن أبي شيبة ، في مصنفه ، عن حادثة الطلاق ، وقعت في خلافة عثمان بن عفان ، والسائل مجهول ، والعدد مائة مرة ، وأجابه بمثل جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك روي أن حادثة مثلها ، في خلافة علي بن أبي طالب ، جاءه رجل طلق امرأته ألف مرة ، وأجابه بمثل ذلك ، والله أعلم .
ونقل ذلك ، العلامة الزحيلي ، ج 7 ، ص 412 ، من كتابه " الفقه الإسلامي وأدلته " .
مخ ۱۳
مع روايات أخر عن ابن عباس وغيره ، وظاهرها أن الجهل بإيقاع الطلاق ، وعدم المعرفة ، وصفته لا ينفع شيئا ، وهو ظاهر المذهب ، لأن الجهل لا يصلح أن يكون عذرا ، في هذا المقام ، بل على الجاهل أن يتعلم ... إلى آخر ما قاله - رضوان الله عليهم - .
مخ ۱۴
فهذا الكلام من هذا الشيخ العلامة ، والذي نرد من مناهله ، ونقتبس من أنواره ، ونعد نفوسنا عيالا عليه ، ويقهقرنا عن الأخذ بخلافه ، تقيدا لا تقليدا ، لأن تقليد غير المعصوم ، لا يصح عندنا ، غير أننا نقول : أن الاحتجاج بمثل حديث العجلاني ضعيف ، لأن تطليقه إياها ثلاثا ، بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، إنما كان في موضع الملاعنة ، وقضيته على ما رواه أحمد ، والشيخان ، عن سهيل بن سعد : أن عويمر العجلاني ، أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا ، أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : قد أنزل الله فيك ، وفي صاحبتك ، قرآنا ، فأت بها ، فتلاعنا ، وأنا مع الناس عند رسول الله ، فلما فرغ ، قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله ، أن أمسكها ، فطلقها ثلاثا ، قبل أن يأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال ابن شهاب : فكانت سنة الملاعنة ، وفي حديث ابن عمر ، المتفق عليه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بينهما ، فهذا التفريق يحتمل ، بسبب الملاعنة ، فلا دليل فيه ، على وقوع الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة ، وقد جاء في رواية أخرى ، أنه قال لها : أنت الطلاق ، أنت الطالق ، فإن صح ذلك ، فهو غير طلاق الثلاث ، بمعنى : أنت طالق ، فهو غير ما قلناه آنفا ، من أن الطلاق يتبع الطلاق ، إذا أتى به مكررا ، فلا حجة فيه ، على كل الأمرين ، بل الحجة التي ينبغي أن يعول عليها في هذا ، إطباق الصحابة على ما رواه عمر - رضي الله عنه - ، وما كان له ، ولا لهم ، أن يخالفوا رسول الله ، فهو الذي جاءهم بالهدى ، وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور ، وإنما عملوا بذلك لشيء علموه من نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، فإنهم أهل الهدى ، فبهداهم اقتده فكما أخذ المسلمون ومن معهم ، بقول عمر ومن معه في حد الخمر ، أخذوا بقولهم في الطلاق ثلاثا بلفظة واحدة ، ولكن القضية - كما قدمنا - على ما فيها من الأقوال والاستدلال ، ولا تزال قضية اجتهاد ومجال ، فمن عمل بشيء من القولين المشهورين ، فقد وافق الحق والهدي إلى الصواب ، والحمد لله الكريم الوهاب.
وبهذا نكتفي عن الإطالة في المسألة ، وما فيها من رد وجواز ، اعتمادا على فهمكم وإطلاعكم ، ونحن نعترف، بأننا لم نزدكم فيها علما ، إلا ما فهمتموه منا ، من تسويغنا لكم ، الأخذ بما أشرتم إليه ، فاعتمدوا عليه ، والله يوفقنا وإياكم لما فيه إتباع أهل الهدى ، ويرشدنا لما فيه رضاه ، بفضله وكرمه ،وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم ، تسليما كثيرا إلى يوم الدين ، والحمد لله رب العالمين .
مخ ۱۵
من إخوانكم المخلصين ، قضاة المحكمة الشرعية بمسقط : سعيد بن أحمد ، وإبراهيم بن سيف الكندي (¬1) ، ومحمد بن راشد بن عزيز الخصيبي (¬2) ، ومحرره وكاتبه إبراهيم بن سعيد العبري .
¬__________
(¬1) العلامة الشيخ إبراهيم بن سيف بن أحمد بن سليمان بن سعيد بن أحمد الكندي ، عالم فقيه ، حافظ ، تولى منصب القضاء ، حتى وصل إلى رئاسة القضاء بالمحكمة الشرعية بمسقط ، وقبل أن يتولى مهام القضاء ، درس العلوم الشرعية ، والفقه الإسلامي ، وعلوم اللغة العربية ، بالمدرسة السعيدية بمسقط ، طيلة خمس سنوات ، منذ : 1360ه - 1365ه وشرف من قبل صاحب الجلالة سعيد بن تيمور ، بتدريس نجله السلطان قابوس بن سعيد - سلطان عمان - أبقاه الله ، في مجال علوم الشريعة والفقه الإسلامي ، كان ورعا ، نزيها ، قويا في الأحكام ، لطيف المحيا ، كاد أن يكون بحسن خلقه صحابيا رضيا ، سخيا كريما ، ينظم الشعر ، ويحب مجالس العلم والأدب ، شهد له بالفضل ، أدباء زمانه ، وفقهاء عصره ، وتخرج عنه في العلوم الشرعية ، المشايخ : سعيد بن خلف الخروصي ، وعبد الله بن سيف الكندي ، فنهلوا من علمه ، ما بلغوا به درجة العلماء ، علما إنه من سلالة علماء ، وجميع آبائه حملة علم ، وفضل ، وزهد ، تولوا مناصب القضاء ، وألفوا الموسوعات العديدة ، في الفقه الإسلامي ، وتفسير القرآن ، ولد في عام : 1322ه وتوفي عام : 1369ه ، وترك أشبالا أدباء ، وفضلاء سراة أجلاء .
(¬2) هو عالم فقيه ، نظم الشعر ، في الفقه ، والأدب ، وألف كتابه : " الشقائق " لتراجم أعلام الشعراء ، والعلماء ،و الأدباء ، الذين نظموا الشعر ، وكتابه : " الزمرد " ، موسوعة أدبية ، شملت أنواعا من تحف الأدب وطرائفه ، كل واحد منهما في ثلاثة أجزاء ، وقد ولد هذا العالم في سمائل ، وتقلد منصب القضاء مدة عمره الأخير ، ومات ودفن بسمائل ، وهو من مشاهير علمائها ، وترجم عنه في مستهل مؤلفاته ، وترك أولادا نجباء أدباء .
مخ ۱۶
كتبه نقلا من خط يده العبد لله سيف بن سالم بن سيف اللمكي (¬1) بيده
¬__________
(¬1) هو الشيخ سيف بن سالم بن سيف بن سعيد اللمكي ، وطنه الرستاق ، ولد عام : 1334ه ، تتلمذ على والده العلامة ، الذي شغل إدارة القضاء بالرستاق ، أيام حياته المباركة ، وشهروا بالفضل والورع ، والثقافة الأدبية ، إنشاءا وخطا ، والشيخ المذكور ، تقلب في عدة مناصب ، منذ نعومة أظفاره ، إلى أن اختاره الله ، عن عمر يناهز : 78 سنة ، وكانت له محاضرات أدبية ، شعرا ونثرا ، اشتهر بحصافة الرأي ، وقوة الذاكرة ، موفق في الآراء ، سليم الصدر ، يجيد التعبير والتفكير، في انتقاء الآراء ، في مجتمعه واجتماعياته توفي عام : 1412ه ، وترك أولادا نجباء أدباء ، ممن تقر بهم العين ، ويفخر بهم النادي .كتبه نقلا من خط يده العبد لله سيف بن سالم بن سيف اللمكي (¬1) بيده
¬__________
(¬1) هو الشيخ سيف بن سالم بن سيف بن سعيد اللمكي ، وطنه الرستاق ، ولد عام : 1334ه ، تتلمذ على والده العلامة ، الذي شغل إدارة القضاء بالرستاق ، أيام حياته المباركة ، وشهروا بالفضل والورع ، والثقافة الأدبية ، إنشاءا وخطا ، والشيخ المذكور ، تقلب في عدة مناصب ، منذ نعومة أظفاره ، إلى أن اختاره الله ، عن عمر يناهز : 78 سنة ، وكانت له محاضرات أدبية ، شعرا ونثرا ، اشتهر بحصافة الرأي ، وقوة الذاكرة ، موفق في الآراء ، سليم الصدر ، يجيد التعبير والتفكير، في انتقاء الآراء ، في مجتمعه واجتماعياته توفي عام : 1412ه ، وترك أولادا نجباء أدباء ، ممن تقر بهم العين ، ويفخر بهم النادي .
----NO PAGE NO------
ناپیژندل شوی مخ