وكذلك أرى أن يفعل بمن نقص من السعر الذي عليه أهل السوق، في قمحه أو شعيره أو زيته أو سمنه، وما يباع في السوق ولم يرض أن يبيع كغيره من أهل السوق، أن يقال له: إما أن تبيع كما يبيع أهل السوق وتكون كأحدهم، وإلا فاخرج من السوق لئلا تتطاول أنفس الذين يبيعون مثل سلعته بأكثر سعر منه إذا رأوه يبيع بأغلى منهم، لأن السوق يدخله ضروب الناس، فمنهم من لا يعرف السعر فيقف بهذا الذي قد أغلى فيسأله، فإذا قال له، ظن أن سعر السوق كله كما قال له، فيشتري منه، ويقف به من لا يسأله عن السعر ولا يعرفه فيشتري منه، وأشباه ذلك لهؤلاء كثيرة.
فإذا رأي أهل السوق ذلك نقصوا مما كانوا يبيعون عليه، ولعلهم كانوا يحبسون على ما كانوا يبيعون فتشح أنفسهم أن يبيعوا مثل بيعه ويحبسوا أيديهم على مثل سعره، فإذا لم يجد من يريد الشراء إلا بذلك السعر اشتراه لحاجته، غاليا كان أو رخيصا، فيدخلون بذلك الفساد والغلاء على عامة الناس بترك ذلك الرجل الواحد الذي نقص السعر ولم يرض أن يبيع بالسعر الذي كان أهل سلعته يبيعون به .
ولهذا عندي قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للذي كان يبيع الزبيب: إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا، لأنه كان نقص من السعر الذي كان يباع به الزبيب مثل سعلته، وخاف أن يخرج من السوق كما أخرج الذي نقص من السعر عن سعر الناس، ورجع الذي أخرج من السوق إلى سعر سلعته في السوق ورضي أن يبيع بسعر ما يباع مثل سلعته في السوق .
فعلى هذا ينبغي للوالي أو القاضي أو الناظر في أسواق المسلمين المتحري العدل أن يعملوا في الأسواق، وبالله التوفيق .
في حكم الأسواق القريبة من البلدان
سألت يحيى بن عمر، عن أسواق القصر: هل هي تبع لأسواق القيروان في أسعارها من جميع الأطعمة والأمتعة وجميع ما يباع في أسواقها مما يؤكل ويشرب ومما لا يؤكل ولا يشرب ؟
فقال يحيى بن عمر: لا أحفظ فيها شيئا، وما أرى أسواق القصر إلا خلاف سوق القيروان .
مخ ۲۱