بسم الله الرحمن الرحيم
القول فيما ينبغي النظر فيه من الأسواق
حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن قال: سمعت يحي بن عمر يقول:
ينبغي للوالي الذي يتحرى العدل أن ينظر في أسواق رعيته، ويأمر أوثق من يعرف ببلده أن يتعاهد السوق، ويعير على أهله صنجاتهم وموازينهم ومكاييلهم كلها: فمن وجده قد غير من ذلك شيئا عاقبه على قدر ما يرى من بدعته وافتياته على الوالي، ثم أخرجه من السوق حتى تظهر منه التوبة والإنابة إلى الخير، فإذا فعل هذا رجوت له أن يخلص من الإثم وتصلح أمور رعيته إن شاء الله .
مخ ۱۶
ولا يغفل النظر إن ظهر في سوقهم دراهم مبهرجة أو مخلوطة بالنحاس، وأن يشدد فيها ويبحث عمن أحدثها، فإذا ظفر به إن كان واحدا أو جماعة أن ينالهم بشدة النكال والعقوبة، ويأمر أن يطاف بهم في الأسواق، ويشرد بهم من خلفهم، لعلهم يتقون عظيم ما نزل بهم من العقوبة، ثم يحبسهم على قدر ما يراه، ويأمر من يثق به أن يتعاهد ذلك من السوق حتى تطيب دراهمهم ودنانيرهم وتحرز نقودهم، فإن هذا أفضل ما يحوط به رعيته، ويعمهم نفعه في دينهم ودنياهم، ويرجى له ذلك زلفى عند ربه وقربة إليه إن شاء الله .
المكيال والميزان والأمداد والأقفزة والأرطال والأواقي
قال [ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن ]:
سمعت يحيى بن عمر يقول - إذ سئل عن القمح والشعير يباع بمكاييل أحدثها أهل الحوانيت، وليست مما أحدث السلطان، ولا يعرف لها أصل، فعند هذا صغيرة وعند هذا كبيرة، فهي مختلفة ويسلم الناس فيما بينهم بهذه المعايير، فانظر رضي الله عنك ما يجوز من ذلك، فأفتنا به وأوضح لنا تفسير ما فضلك الله به، وأوضح لنا أمر القيمة التي تقام على الجزارين ونحوهم من أهل الحوانيت الذين يبيعون السمن والعسل والزيت والشحم، فإن تركوا بغير قيمة أهلكوا العامة لخفة السلطان عندهم، وإن تركوا على أن يبيعوا بالقيمة فهل ترى ذلك جائزا لهم وللعامة ؟ فإذا كان جائزا فما يصنع بهم إن خالفوا ما يأمر به السلطان، فقد يأمر بصنجة واضحة وأمر بين، وقد بدا أمر ما كتبنا به إليك، فإنا ما كتبنا إلا بما عمنا وخفي عنا، فأوضحه لنا إيضاحا شافيا، نفعك الله بعلمك -:
قال يحيى بن عمر:
أما قولك: إن القمح والشعير يباع عندكم بمكاييل مختلفة أحدثها أهل الحوانيت وليست مما أحدث السلطان، فليس يعرف له أصل، فعند هذا كبيرة وعند هذا صغيرة، فهي مختلفة ويعمل الناس بهذه المعايير فيما بينهم في القمح والشعير، فلا ينبغي لحواضر المسلمين في أسواقهم أن تكون بهذه الحال التي وصفت .
مخ ۱۷
فإن كان عليهم وال فليتق الله ربه فيما استرعاه الله، ويحوطهم في موازينهم ومكاييلهم، حتى تكون موازينهم ومكاييلهم معروفة كلها، وقناطيرهم وأرطالها، وكذلك ويباتهم وأقفزتهم .
ويكون أصل ما توضع عليه أرطالهم على الأوزان التي أوجب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زكاة العين من الذهب والفضة بها، إذ قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (( ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة، وليس فيها دون عشرين دينارا زكاة )) .
والأوقية أربعون درهما بدراهم الكيل، ووزن الدنانير كل عشرة دراهم كيلا سبعة دنانير مثاقيل .
فيضع الوالي المتحري العدل أرطال رعيته وقناطيرهم على هذا، ويتقدم إلى رعيته أن لا يغيروها .
فمن فعل أو غير منها شيئا استوجب العقوبة وأخرجه من السوق، حتى تظهر منه توبة .
وإن جعل الأواق كل أوقية عشرة دراهم كيلا أو اثني عشر درهما وزنا فجائز أيضا .
ويضع مكاييل رعيته من الويبات والأقفزة على الكيل الذي فرض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم زكاة الحبوب به، إذ يقول صلوات الله عليه: (( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة )) .
والوسق الواحد ستون صاعا، والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
يجعل الوالي الذي يتحرى العدل مكاييل رعيته صلاحا، بإدخال الرفق عليهم وطرح المضرة عنهم، وسائر مكاييلهم على ما أحكم من الويبة .
ويتقدم إلى رعيته أن لا يغيروا شيئا من تلك المكاييل، فمن عمل منها بعد ذلك شيئا استوجب العقوبة وأخرجه من السوق حتى تظهر منه توبته .
وإن كان [ المسلمون ] في موضع ضيع الوالي هذا من رعيته، أو لم يكن معهم وال، فليجتمع خيارهم وأهل الفضل والصلاح منهم حتى يجعلوا لأهل موضعهم من موازينهم ومكاييلهم شيئا مثل ما وصفنا .
مخ ۱۸
فإذا فعلوا ذلك أظهروه للناس، وأعلموهم بما في موازينهم وقناطيرهم من الوزن، وبأن لا يغيرها أحد بزيادة ولا بنقصان، فمن ظهر عليه أنه غير وزنا أو كيلا عاقبوه وأخرجوه من السوق، حتى تظهر توبته، كما كان يفعل الوالي العدل به .
الحكم في القيم والتسعير
وأما قولك أن أكتب في أمر القيمة التي تقام على الجزارين والخبازين وأهل الأسواق مما يحتاج إليه العامة إن كانت جائزة أو ليست بجائزة، وزعمت إن تركوا بغير قيمة أهلكوا العامة:
قال يحيى بن عمر:
الواجب على جميع المسلمين الاعتصام بالسنة، واتباع أوامر نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا هم فعلوا ذلك ووفقوا إليه جاءهم من ربهم الكريم كل ما يحبون .
وقد أبان ذلك لنا ربنا جل ذكره وتقدست أسماؤه في محكم كتابه، إذ يقول تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا: (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض، ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون )) .
وقال جل ذكره: (( ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم )) .
يريد - والله أعلم - لو أنهم عملوا بما أنزل في التوراة والإنجيل وهذا القرآن لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يعني - والله أعلم - لأسبغ عليهم الدنيا إسباغا .
قال يحيى بن عمر:
وقد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمثل ما سألتموني عنه، حدثنا مشائخنا سحنون بن سعيد والحارث بن مسكين وأبو الطاهر، عن عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن سليمان بن موسى، أن ثابت البناني حدثه عن أنس بن مالك:
أن أناسا أتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا رسول الله سعر لنا أسعارنا، فقال:
(( يا أيها الناس إن غلاء أسعاركم ورخصها بيد الله سبحانه، وأنا أرجو الله أن ألقى الله وليس لأحد عندي مظلمة من مال ولا من دم )) .
مخ ۱۹
قال ابن وهب: وأخبرني غيره من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غضب يومئذ حتى عرف فيه ذلك وقال: (( السوق بيد الله يخفضها ويرفعها، ولكن مرهم فليخرجوا متاعهم في البراني، وليبيعوا كيف أحبوا، ولا يسألني الله عن سنة أحدثها فيكم، ولكن اسألوا الله من فضله )) .
وكذلك حدثني من سميت لك من مشايخي، عن ابن وهب قال: سمعت مالك بن أنس يقول: لا يسعر على أحد من أهل السوق، فإن ذلك ظلم، ولكن إن كان في السوق عشرة أصوع فحط هذا صاعا يخرج من السوق .
قال يحيى بن عمر:
هذا الذي آخذ به وأختاره لنفسي، لا يسعر على أحد، وكل من حط من السعر الذي في السوق يخرج، وقد فعل ذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال لرجل يبيع زبيبا: إما أن تزيد في السعر وإما أن تخرج من سوقنا .
وقد بلغني عن بعض أهل المدينة أنه قال: من فعل هذا من الولاة مثل ما فعل عمر بهذا الرجل فقد أصاب، ومن أقام علىالناس بما في أيديهم من السلع جهل السنة وأثم في القيامة، وأطعم المشتري ما لا يصلح له، وإنما السعر لله يخفضه ويرفعه وليس للناس من ذلك شيء .
قال يحيى بن عمر:
ولو أن أهل السوق اجتمعوا أن لا يبيعوا إلا بما يريدون مما قد تراضوا عليه مما فيه المضرة على الناس وأفسدوا السوق كان إخراجهم من السوق حقا على الوالي، وينظر للمسلمين فيما يصلحهم ويعمهم نفعه ويدخل السوق غيرهم، فإنه إن فعل ذلك معهم رجعوا عما طمحت إليه أنفسهم من كثرة الربح ورضوا من الربح بما يقابلهم نفعه ولا يدخلون به المضرة على عامة الناس .
مخ ۲۰
وكذلك أرى أن يفعل بمن نقص من السعر الذي عليه أهل السوق، في قمحه أو شعيره أو زيته أو سمنه، وما يباع في السوق ولم يرض أن يبيع كغيره من أهل السوق، أن يقال له: إما أن تبيع كما يبيع أهل السوق وتكون كأحدهم، وإلا فاخرج من السوق لئلا تتطاول أنفس الذين يبيعون مثل سلعته بأكثر سعر منه إذا رأوه يبيع بأغلى منهم، لأن السوق يدخله ضروب الناس، فمنهم من لا يعرف السعر فيقف بهذا الذي قد أغلى فيسأله، فإذا قال له، ظن أن سعر السوق كله كما قال له، فيشتري منه، ويقف به من لا يسأله عن السعر ولا يعرفه فيشتري منه، وأشباه ذلك لهؤلاء كثيرة.
فإذا رأي أهل السوق ذلك نقصوا مما كانوا يبيعون عليه، ولعلهم كانوا يحبسون على ما كانوا يبيعون فتشح أنفسهم أن يبيعوا مثل بيعه ويحبسوا أيديهم على مثل سعره، فإذا لم يجد من يريد الشراء إلا بذلك السعر اشتراه لحاجته، غاليا كان أو رخيصا، فيدخلون بذلك الفساد والغلاء على عامة الناس بترك ذلك الرجل الواحد الذي نقص السعر ولم يرض أن يبيع بالسعر الذي كان أهل سلعته يبيعون به .
ولهذا عندي قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للذي كان يبيع الزبيب: إما أن تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا، لأنه كان نقص من السعر الذي كان يباع به الزبيب مثل سعلته، وخاف أن يخرج من السوق كما أخرج الذي نقص من السعر عن سعر الناس، ورجع الذي أخرج من السوق إلى سعر سلعته في السوق ورضي أن يبيع بسعر ما يباع مثل سلعته في السوق .
فعلى هذا ينبغي للوالي أو القاضي أو الناظر في أسواق المسلمين المتحري العدل أن يعملوا في الأسواق، وبالله التوفيق .
في حكم الأسواق القريبة من البلدان
سألت يحيى بن عمر، عن أسواق القصر: هل هي تبع لأسواق القيروان في أسعارها من جميع الأطعمة والأمتعة وجميع ما يباع في أسواقها مما يؤكل ويشرب ومما لا يؤكل ولا يشرب ؟
فقال يحيى بن عمر: لا أحفظ فيها شيئا، وما أرى أسواق القصر إلا خلاف سوق القيروان .
مخ ۲۱
وقال أبو العباس عبد الله بن طالب مثله .
قال محمد بن عبدوس: هي تبع لأسواق القيروان .
في حكم الحناطين
سألت يحيى بن عمر، عن الحناطين: هل يجب عليهم أن لا يبيعوا القمح والشعير والفول والعدس والحمص وجميع القطاني حتى يغربلوها ؟
فقال لي يحيى بن عمر:
قال مالك: لا يبيعوا كل ما ذكرت إلا بعد أن يغربلوها .
أخبرني بذلك الحارث بن مسكين قال: أخبرني عبد الله بن وهب، عن مالك .
قال يحيى بن عمر:
فأرى أن يلزموا بذلك .
في حكم التين المدهون بالزيت واللبن المخلوط بالماء
وسألت يحيى بن عمر عن التين المدهون: هل ينهى عنه أهله أن لا يدهنوه ؟
قال لي يحيى:
أرى أن ينهوا عن دهن التين بالزيت .
قلت: فإن دهنوا التين بالزيت وباعوه في السوق، ما يعمل بذلك التين: أيرد على صاحبه البائع ويفسخ ذلك البيع ؟
وكيف إن نهي البائع عن دهنه وبيعه فدهنه وباعه، هل يؤدب ؟
وما يصنع بالمشتري إذا اشتراه وهو مدهون، علم بذلك وعلى ذلك اشتراه ؟
فقال يحيى بن عمر:
أرى أن ينهى عن ذلك وغيره، فإن نهي ثم دهنه بعد ذلك فأرى أن يتصدق بالتين على المساكين، أدبا له .
قال يحيى: وكذلك اللبن إذا مزج بالماء يتصدق به على المساكين ولا يطرح في الأرض .
وكذلك الخبز إذا نقص وتقدم إليه فلم ينته، يتصدق به ويقام من السوق .
في حكم الفواكه تباع في السوق قبل أن يطيب جلها
وسألت يحيى بن عمر، عن التين والتفاح والعنب وجميع الفواكه، تباع في السوق قبل أن يطيب جله، فيدخلونه السوق وقد جذوه من شجره .
فقال يحيى:
أما ما سميت من الفواكه تباع قبل أن تطيب، فإن كان كثيرا في بلده فلا بأس، وإن كان قليلا فلينه عن ذلك وعن قطعه حصرما، فإنه يضر بالعامة، ويطلبونه إذا طلب فلا يوجد ويقل ويغلو، فلأجل ذلك كره قطعه حصرما .
وسألت يحيى بن عمر، عن الرجل يشتري سلال تين شتوي أو صيفي، فإذا فرغ السل وجد فيه ما ليس يطيب: هل يفسخ البيع أو هو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه ؟
مخ ۲۲
فقال يحيى بن عمر:
إذا ابتاعه ليلته فهو كذلك كما ذكرت، فإن شاء أخذه وإن شاء تركه.
قلت: فإن اشتراه أهل السوق فوجد عندهم لم يطب أو هو مدهون: هل ينهى ألا يعود يشتري مثل هذا في أسواق المسلمين ؟ فإذا نهيته أي شيء يصنع بذلك الذي لم يطب ؟ أيتصدق به عليه أم ينهاه ألا يبيعه أصلا في أسواق المسلمين ؟ فإن عاد واشترى شيئا مثل ما نهيته عنه أيحبس أم ماذا يصنع به ؟
فقال يحيى: إذا اشتراه أهل الأسواق كما ذكرت فليردوه على بائعه، ولا يباع بأسواق المسلمين، فإن كان مما نهي عن بيعه يتصدق به أدبا له .
في حكم الخبز يوجد فيه حجارة
وسألت يحيى بن عمر عن رجل اشترى خبزة وأكل منها لقمة أو لقمتين، فأصاب فيها حجارة: هل يردها كلها على البائع ؟ وهل على المشتري أن يغرم ما أكل أم لا غرم عليه ؟ وهل للبائع أن يرد على صاحب الفرن الذي باعه هذه الخبزة ؟
قال يحيى بن عمر:
يرد ما بقي منها، ويكون عليه قدر ما أكل منها على أن فيها حجارة، ويرجع على من باعه بالثمن الذي اشتراها به، ويرجع بائعها على صاحب الفرن بما اشتراها به، ويكون عليه قيمتها على أن فيها حجرا، وينهى صاحب الفرن عن ذلك .
قلت ليحيى بن عمر: وهل يؤمر صاحب الفرن الذي يبيع الخبز من أصحاب الحوانيت أن لا يطحن القمح الذي يعمل منه الخبز حتى يغربله وينقيه من الحجارة والغلث الذي فيه ؟
قال يحيى بن عمر:
أرى أن يؤمر كما ذكرت، ولا يرخص له في ذلك .
وسألت يحيى، عن صاحب الفرن الذي يبيع الخبز لأصحاب الحوانيت ويجد في خبزه حجارة: هل ينهى عن بيع مثل هذا الخبز ؟
وأي شيء يصنع بذلك الخبز، أيبيعه للناس، أم يمنع من ذلك ويتصدق به على المساكين أدبا له ؟
وما تقول إن كان عاد ثانية وباع مثله ولم ينته ؟ فهل يتصدق به ويؤدبه ويحبسه ؟
قال: أرى أن يتقدم إليهم أن لا يبيعوا الخبز فيه حجارة من الرحى، فإن ركب النهي يتصدق به أدبا له، ويمنع أن يعمل الخبز ويبيعه في السوق على تلك الحالة .
مخ ۲۳
في حكم الخبز الناقص
وسألت يحيى بن عمر: إن باع صاحب الفرن خبزا، فأصيب عند أصحاب الحوانيت ناقصا، فهل يؤدب صاحب الحانوت الذي باعه ناقصا ويكسر عليه أو لا أدب عليه ؟
فإن كسر الخبز هل يرجع المشتري صاحب الحانوت الثمن كله علىصاحب الفرن البائع أو لا ؟
فإن رجع عليه هل يؤدب صاحب الفرن الذي علمه ناقصا ويرجع عليه بثمن ما باع من صاحب الحانوت ؟
قال يحيى: أرى أن يؤدب على الخبز الناقص ويخرج من سوق المسلمين، لأنه قد فجر فيه، ولا حجة له في نقصانه .
[ وسئل صاحب السوق فقال: سئل ابن مروان وهو إذاك قاض وأنا حاضر، عن الخبز إذا وجد عجينا لم ينضج، وقد باعه صاحب الفرن من أصحاب الحوانيت، فأصيب عند أصحاب الحوانيت ؟
فقال: إذا علم صاحب الحانوت أنه عجين لزمه البيع ووجب الأدب عليهما جميعا، وأمر صاحب الحانوت ألا يبيعه في أسواق المسلمين ] .
قلت ليحيى بن عمر: من يؤدب صاحب الفرن أو صاحب الحانوت ؟
فقال يحيى: إذا عرف صاحب الحانوت بنقصانه أو بتغييره قبل بيعه، فالأدب عليهما جميعا .
في حكم القمح الطيب يخلط مع القمح الدنيء
وسألت يحيى بن عمر عن صاحب الفرن، هل يجب عليه ألا يخلط القمح الطيب والقمح الدون النازل إذا أراد أن يعمل الخبز الدون ليبيعه من أهل الأسواق ؟
وإن نهي عن ذلك فلم ينته وعثر عليه وقد خلط ؟
قال يحيى: إذا نهي أول مرة أن لا يخلط الدون بالجيد فركب النهي وخلطه وجب أدبه وإخراجه من السوق .
الحكم في صاحب الفرن يطحن في المطحنة بإثر نقشها
وسألت يحيى بن عمر: هل يطحن صاحب الفرن في المطحنة التي نقش بإثر نقشها ؟ وكيف إن طحن للناس فيها بأجرة، هل يقوم القمح أو مثله ؟
مخ ۲۴
قال يحيى: أرى أن يؤدب ويغرم قمحا مثله، وقد أخبرنا عبد الله بن معاوية عن أصبغ بن الفرج قال: سمعت أشهب بن عبد العزيز وقد سئل عن ذلك فقال: يضمن له مثل قمحه، وقال أصبغ: وإن كان قد علم صاحب القمح بصب قمحه بإثر نقش الحجر ورضي به فلا يلزم صاحب الفرن غرمه.
فيمن دلس في مكيال أو طعام أو غير ذلك
أخبرنا يحيى بن عمر قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت مالك بن أنس وسئل عن رجل جعل في مكياله زفتا ليرفع به الكيل، ولم يكن في مكياله إلا قليلا، قال: أرى أن يعاقب ويخرج من السوق، وإخراجه من السوق أمر عليه من الضرب، ولا يضر به .
أخبرنا يحيى بن عمر قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: وسمعت مالكا غير مرة يكره من يغش البسر ليرطب بالتمر ويباع في الأسواق ليبادر به الغلاء .
قال لي يحيى بن عمر: وكذلك التين المدهون بالزيت، ما أرى يجوز أن يدهن .
أخبرنا يحيى بن عمر، قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت مالكا سئل عن الرجل يخلط في الطعام غير صنفه، قال: لا أحب أن يخلط في ذلك الصنف شيئا غيره مخالفا له، والثمن مثل ذلك .
قال ابن وهب: وسئل مالك عن الرجل يخلط مع الطعام الطيب طعاما دونه وهو مما يجوز به بيعه، قال مالك: [ وإنما ] يجعله لينفقه بهذا الطيب، قال مالك: بهذا أفسده، قال الله تبارك وتعالى: (( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ))، وظن هذا أنه يربح وإنما يهلك دينه .
قال مالك: وينبغي أن يعاقبه أهل ذلك حتى لا يخلط، لأنه غش، ولكن يبيعه وحده .
قلت ليحيى: مثل أي شيء هذا الطعام الذي لا يجوز أن يخلط بعضه مع بعض، أرأيت إن خلطه ثم باعه، أيفسخ ويعاقب ؟
قال: لا يبيع جيدا يخلطه بطعام رديء، فإذا تقدم إليه ألا يفعل ولم ينته وعاد إلى فعله فأرى أن يخرج من السوق ولا يترك أن يبيع فيه حتى تتبين توبته .
مخ ۲۵
أخبرنا يحيى بن عمر، قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: سمعت مالك بن أنس يسأل عمن يغش اللبن بالماء، أترى أن يهرق عليه ؟
قال: إن الناس ليهرقونه، وأنا أرى أن يعطى للمساكين .
قيل له: بغير ثمن ؟
قال: نعم، إذا كان هو الذي غش اللبن .
قال يحيى: وهو أحب إلي من رواية أشهب عن مالك .
قيل لمالك: فالزعفران أو المسك إذا غش أتراه مثل اللبن المغشوش ؟
فقال: ما أشبهه إلا بذلك إذا كان صاحبه هو الذي غشه، وأما إذا كان اشتراه مغشوشا فلا أرى ذلك عليه، لأنه تذهب في ذلك أموال الناس، وأما إن كان هو الذي غشه فأراه مثل اللبن .
قلت ليحيى: هل تأخذ بهذا كله ؟
قال: نعم .
في لبن البقر والغنم يخلطان جميعا
وأخبرني يحيى بن عمر، قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا أشهب بن عبد العزيز، قال: سألت مالكا عن لبن البقر والغنم يخلطان جميعا، وأن يضرب كل واحد منهما على حدة، وإن ضربا جميعا ؟
[ قال مالك: ] أرى عليه إذا باع أن يبين ذلك للمبتاع، فيخبره أن ذلك لبن بقر وغنم .
قلت لمالك: أرأيت إن باع الزبد الذي خرج منهما جميعا، أترى عليه أن يبين ذلك للمبتاع ؟
قال: ما أرى ذلك عليه، لأنه ليس في الزبد والسمن نقص بينهما شيئا، بل أظنه مثله لا أحسن من زبد الغنم وسمنها، ولا أطيب ولا أجود، ولا أرى أن يبين ذلك إن باع، وأحب إلي أن لا يخلط .
قلت ليحيى بن عمر: أيؤخذ بهذا كله ؟
قال: نعم .
[ وقلت له: ] أرأيت إن خلط زبد البقر بزبد الغنم أو لبن الغنم بلبن البقر ثم باع ولم يبين، أيفسخ البيع ويتصدق به ويؤدب إن عاد ثانية ؟
قال يحيى: نعم، لأنه قد غش وركب النهي، فليتصدق به على المساكين أدبا له .
في خلط العسل الطيب بالرديء
أخبرنا يحيى بن عمر، قال: حدثنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت مالكا سئل عن الرجل يخلط العسل الطيب بالرديء ثم يبيعه ؟
فقال: هذا من الغش إذا خلط بأدنى منه .
مخ ۲۶
قال مالك: وكذلك السمن والزيت، إلا أن يخلطه ليأكله .
قيل لمالك: فإن خلطه ليأكله ثم احتاج إلى بيعه بعد ذلك ؟
فقال: لا يبيعه بعد خلطه .
قلت ليحيى بن عمر: تقول بهذا كله ؟
قال: نعم .
في خلط الزيت القديم بالجديد
قلت ليحيى بن عمر: فإن بعض أهل الأسواق يخلط الزيت القديم بالجديد، فيبيعه في السوق، أيجوز له بيعه ويبين، والزيت مثل الزيت في الطيب، إلا أن الناس أرغب في الجديد منهم في القديم، فهل ينهاه عن ذلك ؟
فإن أمره ألا يخلطه فاطلع عليه أو أقر أنه أخلطه، فهل يرد بيعه لأنه غش ويتصدق به، مثل اللبن والزعفران والمسك إذا غشه صاحبه، أو يكون المشتري بالخيار إن شاء أن يأخذ أخذ وإن شاء أن يرد رد ؟
وهل ينهاه إن فعل ذلك في أول مرة إذا قال: جهلت، وكيف الأمر في ذلك ؟
قال يحيى: إذا كان طيب الزيت الجديد مثل طيب الزيت القديم فخلطهما سهل، وأرى أن يبين ذلك للمشتري، فإن باع ولم يبين ذلك للمشتري فهو بالخيار، إن أحب تمسك به، وإن أحب رده .
وأما إن خلط زيتا ليس بطيب بجديد أو قديم طيب، فقد غش وفعل ما لا يحل له .
فإن عذر بجهالة مثل البدوي فليتقدم إليه بالنهي أن لا يبيع مثل هذا في سوق المسلمين، فإن عاد نكل وتصدق به على المساكين، فهذا رأيي، وبالله التوفيق .
في حكم خلط الشيء بعضه ببعض،
وما يفعل بالجزارين إذا فعلوا ذلك ومثله
أخبرنا يحيى بن عمر، قال: أخبرنا عبد الله بن معاوية، عن أصبغ بن الفرج، قال: سألت ابن القاسم عن الجزار يكون عنده اللحم السمين واللحم الهزيل فيخلطهما ويبيعهما بوزن واحد مختلطين، والمشتري يرى ما فيه من المهزول والسمين، غير أنه لا يعرف وزن هذا من هذا ؟
قال ابن القاسم: أما إن كان الأرطال اليسيرة كالخمسة والستة، مثل ما يشتري الناس على المجازر بالدرهم والدرهمين ونحو ذلك فلا أرى بذلك بأسا.
مخ ۲۷
وإن كثرت الأرطال مثل العشرين والثلاثين وما أشبه ذلك فلا خير في ذلك، حتى يعرف وزن كل واحد منهما لأن ذلك من الغرر، فيصير إلى الخطار، فلا خير فيه .
قال ابن القاسم: وأرى أن يمنع الجزارون من مثل ذلك: أن يخلطوا السمين والمهزول، وأراه من الغش، ولا يحل لهم ذلك .
قال أصبغ: وسألته عن الرجل يخلط الزيت الدون بالجيد، والسمن الجيد بالدون، والقمح الدون بالجيد، فهل يحل شيء من ذلك ؟
قال: لا يحل ذلك، ولا خير فيه، ولا أدري كيف سألته عن هذا، قد قال لي مالك مرة في شيء سألته عنه: أنت حتى الساعة تسأل عن هذا ؟
قلت ليحيى بن عمر: أتقول بهذا كله ؟
قال: نعم .
قلت ليحيى بن عمر: فإن خلط هذا كل الذي ذكره أصبغ عن ابن القاسم، فاشتراه رجل وهو لا يعلم ثم علم ذلك، هل يفسخ بيعه ويرد إليه ؟ وهل عليه أدب قبل أن ينهاه وهو في أول ما يطلع عليه ؟
وهل يتصدق به كله لما غشه صاحبه أول مرة اطلع عليه ؟
قال يحيى: إذا اشتراه رجل وهو لا يعلم، فله رده على البائع، ويأخذ منه الثمن الذي دفعه إليه .
ثم يتقدم إلى البائع ألا يبيع مثل هذا، فإن نهي ثم باع أخرج من السوق ونهي أن يبيع فيه، وهو أشد عليه من الضرب .
فإن عاد ثانية أدبته وطرحته في السوق، ويطاف به السوق ويخرج من السوق بعد ذلك، فإذا فعل به ذلك خاف غيره أن يعمل مثل ما عمل غيره، فينزل به مثل ما نزل بمن خلط وغش، وينهاه أن لا يبيع غيره، وأن لا يبيع هذه الأشياء في سوق المسلمين أصلا .
وسألت يحيى بن عمر: عن الجزار: أي شيء يصنع به ؟ وهل ينهاه أن يشرح اللحم وينفخه ؟
فإن نفخ وشرح هل ينهى أول مرة ؟
فإن عاد ثانية لركوب النهي أي شيء يصنع به: هل يؤدب بالحبس أو غيره ؟
وهل يؤمر بإخراجه من السوق إذا فعل ذلك مرة بعد مرة ؟
وهل يجوز له أن يخلط لحم الضأن بلحم المعز إذا أراد أن يبيعه ويبينه أم لا يجوز له أن يبيعه ؟
مخ ۲۸
قال يحيى: أما النفخ في اللحم فهو مكروه عند أهل العلم، فلينه عنه أشد النهي، فإن عاد أخرج من السوق، وأما جمع لحم الضأن ولحم المعز فأرى أن يجعل كل واحد على حدته، ويبيع هذا بسعره وهذا بسعره، وهذا الذي أرى، وبالله التوفيق .
أخبرني يحيى بن عمر، قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا ابن وهب [ قال: سمعت مالكا وسئل ] عن الرجل ينفخ في اللحم كما ينفخ الجزارون ؟
قال: إني كرهت ذلك، وأرى أن يمنعوا من ذلك .
في الجزارين والبقالين وغيرهم
يخلون السوق لواحد منهم يبيع فيه اللحم
وسألت يحيى بن عمر عن الجزارين والبقالين يخلون السوق لواحد منهم يبيع فيه اللحم وحده يوما أو يومين، ولا يبيع باقي أهل السوق في ذلك اليوم الذي أخلوه لذلك الرجل وحده، وإنما صنعوا ذلك رفقا بذلك الرجل إذ أفنى ما في يده أو أراد أن يتزوج فيقوى بذلك الربح الذي أمسك هؤلاء عنه ؟ هل ترى ذلك جائزا لهم ولذلك الرجل أو لا إذا لم ينقص من السعر شيئا ؟ أو لا يجوز ذلك له ولا لهم لأنهم إذا أخلوه لذلك الرجل فباع ذلك الرجل وحده بقي السوق خاليا من اللحم والبقل إلا ما عنده، واحتاج [ أهل ] السوق إلى شراء اللحم أو البقل فلم يجدوه ؟
قال: إذا أخلى أهل السوق السوق لهذا الرجل كما ذكرت وكان مضرة على العامة نهوا عن ذلك، وإن لم ينقص من السعر شيئا، وإن لم يكن على العامة فيه ضرر فذلك لهم .
في الرطب يغمر وفي البسر يرطب ويباع كل واحد منهما في السوق
أخبرنا يحيى، قال: أخبرنا الحارث، عن ابن وهب، قال: سمعت مالكا يكلمه صاحب السوق في الرطب الذي يباع في السوق وقد غمره ؟
فأمره مالك أن يتقدم إليهم أن لا يبيعوه مغمرا، فإن ذلك يضر بالبطون إذا أكل، وأن يضرب الذي استعمله .
وكذلك البطيخ الذي يقضب ويجلب إلى السوق للسعر وغيره من الفواكه، فإنه لا يحل قطعه حتى ينتهي نضجه .
مخ ۲۹
فالناظر على الأسواق له أن ينهاهم عن ذلك، فإن لم ينتهوا عاقبهم بقدر ما يرى من فعلهم، ويباع كل واحد منهما في السوق .
أخبرنا يحيى بن عمر، قال: أخبرنا الحارث بن مسكين، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: والبسر الذي يرطب ويغمر بالخل ويعمل حتى يرطب، قال: لا أرى ببيعه بأسا إذا بين .
قال يحيى: وأنا أعرف لمالك غير هذا وقال: إنه يؤذي من أكله، وهو عندي خلاف الثياب التي احتج بها، لأن الثياب ليس تؤذي من لبسها .
في الثياب تلبس ثم تقصر ثم تباع
قال مالك: وكذلك الثياب تلبس ثم تقصر ثم تباع، فلا أرى ببيعها بأسا إذا بين أنها لبست ثم قصرت .
قال: وأراه عيبا فيها إذا لم يبين .
قال: وأرى أن يبين لمن يشتري الرطب المخلل والثياب المقصرة، لأنه عيب وغش، ولعله لا يعطي بهذا الثمن مثل ما يعطى باللبس .
قيل ليحيى بن عمر: أتقول بهذا كله ؟
قال: [ لا ] أرى أن يباع مثل الرطب المخلل وإن بينه، لأنه لعل مشتريه لا يعلم أنه يؤذيه إذا أكله، والثياب أسهل .
قلت ليحيى: أرأيت إن باع ولم يبين، أيفسخ بيعه ويعاقب إذا دلس بإخراجه من السوق إذا فعل ذلك مرة بعد مرة ؟
قال: نعم .
قلت ليحيى بن عمر: إن بعض قضاة عبد الله بن أحمد بن طالب كتب إليه عن الجزار يخلط اللحم المهزول بالسمين أو الضأن بالمعزة فيطلع عليه فيهرب ويدع اللحم، أو الخباز يبيع الخبز الناقص فيطلع عليه فيهرب ويدع حانوته، هل ترى أن يؤمر بإغلاق حانوته وعضل لحمه أو خبزه ما لم يخف عليه الفساد ؟
فإذا خيف عليه الفساد أمرت ببيعه له وهو هارب، أم كيف ترى ذلك؟
فكتب إليه: والجزار الذي هرب والخباز نعم يعضل عليه، فإذا خفت فبع عليه وأوقف الثمن .
قلت لأبي زكريا يحيى بن عمر: هل يعجبك هذا من قوله وهل تقول به ؟
فقال يحيى: نعم، به نقول .
مخ ۳۰
ما جاء في الوليمة وما يكره من السماع فيها سألت يحيى بن عمر عن الرجل يدعى إلى العرس، وهي الوليمة أو الختان أو إلى صنيع، فيسمع فيه صوت بوق أو ضرب كبر أو ضرب مزهر أو ضرب عود أو طنبور، أو يعلم أن فيه شرابا مسكرا، هل ترى له أن يجيب إذا دعي ؟
قال يحيى: ليس على الناس أن يجيبوا إلا إلى الوليمة، وفيها جاء الحديث.
فإن جاء إلى الوليمة وكان فيها ما ذكرت: فأما الكبر والمزهر المدور فقد سهل فيه في العرس، ولا بأس أن يجيب إليها .
وأما غير هذا مما ذكرت مثل البوق والطنبور والعود فلا يجيب .
وسألته عمن استرعاه الله رعية إذا سمع في هذا العرس اللهو مثل البوق والكبر والمزهر، أو يسمعه في دار غير دار العرس والاختان، هل يغيره أيضا ؟
وهل ترى العود والطنبور مثله ؟
قال يحيى: أرى أن ينهى عن ذلك كله إلا أن يكون في عرس فقد بينته قبل هذا فيما ينهى عنه، وما سهل فيه أهل العلم لإظهار العرس .
وما تقول في هذا الرواية التي أخبرك بها عبيد الله بن معاوية التي في سماع أصبغ بن الفرج، قال [ أصبغ ]: سمعت ابن القاسم يقول: وسئل عن الرجل يدعى إلى صنيع فيجد فيه لعبا أيدخل ؟ - قال: إن كان الشيء الخفيف والدف والكبر والشيء الذي يلعب به النساء فلا أرى به بأسا .
وذكر عن مالك في الدف والكبر أنه لا بأس بهما، قال أصبغ بن الفرج: يعني في العرس خاصة للنساء وإظهار العرس به، وقد أخبرني عيسى بن يونس، عن خالد بن إلياس، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( أظهروا النكاح واضربوا عليه بالغربال )) يعني الدف المدور .
مخ ۳۱
وقال أصبغ: ولا يعجبني المزهر وهو الدف المركن، وأحب إلي أن لا يكون مع الدف غيره، وهو الذي مضت به الرخصة في الزمان الأول في العرس، وإن ضرب معه بالكبر فلا بأس به، ولا يجوز معهما غيرهما، ولا يجوز الغناء على حال فيه ولا في غيره، وقد أخبرنا ابن وهب، عن الليث بن سعد: حدثه أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى البلدان أن يقطع اللهو كله إلا الدف وحده في العرس .
قال يحيى: هذا رأيي وبه آخذ .
وقد سمعت أنت من سحنون وسئل عن طعام الوليمة يدعى له الرجل أيجيب ؟
قال سحنون: أما إذا كان فيها اللهو والدف فلا أرى ذلك، وإن لم يكن فيها لهو فلا بأس بذلك، فقد جاء في ذلك من الأحاديث ما جاء .
قلت ليحيى: أي شيء معنى ( قد جاء فيه من الأحاديث ما جاء ) ؟
قال: معناه أنه قد أمر أن يجيب إذا دعي .
قال سحنون: وسئل مالك عن الرجل يمر على الطريق يجد فيها اللهو واللعب أيمر أم يرجع إن لم يخف أن يشتهي ذلك ؟
قال: فليمش، وإن خاف فليرجع .
قلت ليحيى: وقد أخبرتنا عن الحارث بن مسكين عن أشهب، قال: سألت مالك بن أنس عمن يدعى إلى الوليمة وفيها إنسان يمشي على الحبل وآخر يجعل على جبهته خشبة كبيرة يركبها إنسان وهو على جبهته ؟
قال: قال مالك: لا أرى أن تؤتى، وأرى أن لا يكون معهم .
قيل له: أرأيت إن دخل ثم علم بهذا أترى له أن يخرج ؟
فقال: نعم، لقول الله سبحانه: (( فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذن مثلهم )) .
قال يحيى بن عمر: ولا يجيب إذا علم أن فيها مسكرا .
مخ ۳۲
قلت لأبي زكرياء يحيى بن عمر: فبأي قولة تقول هذا ؟ وما تختار لنفسك ولنا ولعامة المسلمين أن يعملوا به، وقد جاء في موطأ ابن وهب قال: حدثنا سمرة بن نمير الأموي، عن حسين بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه ببني زريق فسمعو غناء ولعبا، فقال: ما هذا ؟ قالوا: نكاح فلان يا رسول الله، فقال رسول الله: (( كمل دينه، هذا النكاح لا السفاح، ولا نكاح حتى يسمع دف أو يرى دخان )) .
وقال ابن وهب: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب: أن عمر بن عبد العزيز، كتب إلى أيوب بن شرحبيل: أن مر قومك فليضربوا عند النكاح الدفاف، فإنها تفرق بين النكاح والسفاح، وامنع الذين يضربون بالبرابيط .
قال أبو الطاهر: يعني العيدان والطنابر .
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: إظهار العرس باللعب واللهو من الأمر الذي يتبع .
قلت ليحيى بن عمر: ما معنى ( فسمعوا غناء ولعبا ) ؟ وتفسير قول ربيعة ( وإظهار العرس باللعب واللهو )
وهل يصح عندكم حديث سمرة بن نمير وقد علمت أن الحارث بن مسكين كان لا يقرأ حديثه ؟
قال يحيى: بهذا الحديث آخذ، وقد رواه أهل العلم عن سمرة بن نمير عن حسين بن عبد الله بن ضميرة، وسمرة بن نمير ثقة، وإنما كان يوقف الحارث حديثه، وأما إذا حدثه سمرة بن نمير عن غير حسين بن عبد الله بن ضميرة كان يقرؤه ولا يوقفه .
مسألة في بيع الدوامات والصور
وسئل يحيى بن عمر: عن الدوامات والصور وبيعها من الصبيان ؟
قال يحيى: سئل مالك عن التجارة في العظام تتخذ قدر الشبر، فيجعل منها صور تلعب بها الجواري، فقال: لا خير في الصور .
مخ ۳۳
الحكم في القدور تتخذ لعمل النبيذ قلت لأبي زكرياء يحيى بن عمر: إن بعض قضاة عبد الله بن أحمد بن طالب كتب إليه: إن القدور التي تقايس قدور النحاس إنما اتخذت لعمل النبيذ، وقالوا: لا تصلح لغيره، وهي تكرى لعمل النبيذ، إن أردت قطع النبيذ والتضييق على أهله، فاقطع هذه القدور، فأمرت بجمعها، فجمعت لي من عند أهلها وجعلتها في موضع الثقة، وأوقفتها لأمرك وكتبت إليك معلما .
فكتب غليه بخط يده: إذا لم يكن لها منفعة غير عمل النبيذ فغير حالها واكسرها وصيرها نحاسا ورده عليهم، كما يفعل بالبوق إذا كسر، وامنع من يعلمها ومن يشتريها .
قلت ليحيى بن عمر: هل يوافقك قوله في هذا ؟
قال: نعم، وبه أقول .
في دخول النساء الحمام من غير مرض ولا نفاس
وسألت يحيى بن عمر عن صاحب الحمام إذا أدخل النساء من غير مرض ولا نفاس، ثم علم بهن في أول مرة، هل ينهى عن دخولهن ولا يؤدبه، وكيف إن نهاه وعاد إلى فعله أي شيء يصنع به ؟ هل يؤدبه ويسجنه ؟ فإن سجنه هل يطول سجنه ؟
قال يحيى: لا شيء عليه حتى يتقدم إليه، فإن عاد نكل [ به ] وعوقب على قدر ما يراه الإمام .
قال يحيى بن عمر: رأيت بعض قضاة عبد الله بن أحمد بن طالب كتب إليه يسأله عن دخول النساء الحمام من غير مرض ولا نفاس فرأيك في ذلك؟
فكتب إليه: أن أحضر إليك متقبل الحمام، ومره ألا يدخل إلا مريضة أو نفساء، وكذلك الرجل أن لا يدخل إلا بمئزر، فإن ركب نهيك فاعضل الحمام وصير المتقبل في السجن، وعاقب الرجل الذي دخل من غير مئزر، وتطرح شهادته حتى تظهر توبته وتعرف .
في بكاء أهل الميت على الميت
وسألت يحيى بن عمر: عن الميت إذا مات فبكى عليه أهله قبل أن يدفن، واجتمع النساء خلفه بالبكاء هل ينهين عن ذلك ؟
فإن نهيتهن ولم ينتهين هل تطبع عليه ديارهن وتخلع عليهن أبوابها ؟ أو لا يعرض لهن ما لم يتبن، سواء كان الميت دفن أو لم يدفن ؟
مخ ۳۴
وإن اجتمع النساء يبكين من غير صياح ولا شيء يكره من فعلهن، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قيل في أمر خالد بن الوليد رضي الله عنه: إن هاهنا نسوة قد اجتمعن يبكين على خالد بن الوليد، فقال عمر رضي الله عنه: دعهن يهرقن من دموعهن على أبي سليمان .
قال يحيى: أما الصراخ العالي والاجتماع عليه فهو مكروه، والنهي فيه قائم، كان فيه نواح أو لم يكن، كان بعد موته أو قبله .
وأما بكاء ليس فيه شيء يكره فلا نهي عنه، وهو عندي قول عمر رضي الله عنه، ألا ترى إلى قوله: دعهن يهرقن من دموعهن على أبي سليمان، فإنما هي عندي دموع تخرج بلا شيء يكره معه، والله أعلم .
قلت ليحيى ين عمر: فإن أتبع النساء الميت قيام بالصياح العالي ولطم الخدود ؟
قال يحيى: إذا نهين عن ذلك ولم ينتهين عوقبن على ذلك على استباحتهن ما لا يحل لهن فعله .
في خروج النساء إلى المقابر
وسألت يحيى بن عمر: عن الرجل يموت وتخرج أمه وأخته وامرأته، ويخرج معهن نساء من جيرانهن، إلى المقبرة ؟
وكذا سألته عن المرأة يموت زوجها أو ولدها أو بعض قرابتها فتعاهد قبره كل جمعة وغيره، فربما بكت بصياح وربما اجتمع إليها نساء يبكين بالصراخ العالي، فهل ترى أن يطردن وينهين عن الخروج أم ما ترى ؟
قال يحيى: لا أرى للنساء أن يخرجن للمقبرة للترحم على الأزواج والأولاد أصلا .
في النهي عن الخف والنعل الصرار
وسألت يحيى: عن الخف يعمله الخرازون مثل النعل الصرار، هل ينهون أن يعملوا الخفاف الصرارة ؟ فإن النساء يشترينها فيلبسنها فيصير في أرجلهن الصرار الشديد، فيشققن بها الأسواق ومجامع طروق الناس، فربما يكون الرجل غافلا في عمله فيسمع صرير ذلك الخف فيرفع رأسه، هل ينهى الخرازون عن عمل ذلك الخف ؟
وإن نهوا فلم ينتهوا أي شيء يصنع بهم ؟
مخ ۳۵