بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمدُ للهِ وَاهِبِ النِّعَم، بَارِئ النَّسَم، خَالِقِ كُلِّ شَيءٍ مِن عَدَم، أَرسَل رُسَلَه وأَنزلَ كُتبَه لهداية الأُمَم، فَأنزَل التَّوراةَ والإنْجِيل تَمامًا عَلى الذِي أَحْسنَ وتَفْصِيلًا لكُل شَيءٍ وأَتَم، ووَكَل حِفْظَهُما إلى أهْلِ الكِتابَين، فَكتَمُوه وحَرَّفُوه وأَفْسَدُوا في الأرض؛ فَاسْتَوْجَبُوا العَذَاب والنِّقَم، فَمَقَت اللهُ أَهلَ الأَرضِ، العَربَ مِنهم والعَجَم، ثم أَرْسَل رَسُولَه الخَاتَم، ونِبيَّه المُعَظَّم، مُحَمَّدَ بنَ عبد الله بن عَبد المُطَّلِب بن هَاشِم، الصَّادِقَ المُصْدُوقَ الذي لا يُتَّهَم، وأَنزَل عَليه كتابًا لا يَغْسِله المَاءُ، فيه نَبَأُ مَن قَبْلَكُم وخَبَرُ ما بَعْدَكُم وحُكْمُ ما بَيْنَكُم، تَكَفَّل هو سُبحَانَه بِحفْظِه، فَأخْرَج به النَّاسَ إلى الهُدَى والنُّور بَعْد الضَّلَال والظُّلَم، فَاللهُم صَلِّ وبَارِك عَلى نَبيِّنا الأَكْرَم، خَيرِ مَن قَال ومَن عَلَّم، أَفْصَحِ مَن نَطَقَ وتَكَلَّم، أَصْدَقِ مَن كَبَّر أو عظَّم، وعَلى آلِه وصَحْبِه وسَلِّم، صَلاةً وسَلامًا دَائِمَين أبدًا، كُلَّما أَشْرَق نَهارٌ وأَعْتَم.
أما بعد،
فإن الله ﷿ أنزل كتَابَه المُعْجِز، ووَحْيَه المُنْقِذ، وتَكَفَّل بحفظه وصِيانته فقال ﷻ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]. ولم يكن هذا الحفظ للكتاب قاصرًا على حفظ حروفه ومبانيه، بل كان الحِفظُ في المَقَام الأول لأحكامه ومعانيه، فالقرآن لم يُنزِلْهُ اللهُ ﷿ ليُتَعبَّد بتلاوته والتَّغَني به
1 / 5