وسمى من لم يؤمن بما يجب الإيمان به بعد الدعوة إليه: كافرا؛ لأنه صار بجحوده ذلك الحق وعدم الإذعان إليه كالمغطي له.
وسواء: اسم مصدر بمعنى: مستو. والإنذار: الإعلام بالأمر مع التخويف في مدة تسع التحفظ من المخوف.
ومعنى الجملة: إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدم إنذارك. ويفهم من هذا: أنهم لا ينتفعون بالإنذار في الاهتداء إلى الإيمان، فقوله: {لا يؤمنون} جملة مفسرة لمعنى الجملة قبلها، وهو استواء إنذارهم وعدم إنذارهم. والمعنى: أن هذه الطائفة لا يحصل منها إيمان البتة. وحرف (لا) إذا دخل على الفعل المضارع؛ نحو: {لا يؤمنون}، أفاد أن الفعل لا يقع في المستقبل أبدا حتى تقوم قرينة تقصر النفي في المستقبل على وقت محدود. وليس المراد من الذين كفروا: كل من اتصف بالكفر؛ فإن كثيرا من الكافرين ينتفعون بالإنذار فيؤمنون، وإنما المراد منه: طائفة اعتلت قلوبهم، وانطمست بصائرهم، فأعرضوا عن الحق، والنظر في أدلته بعد إبلاغهم الدعوة، أو جحدوا الحق بعد إقامة الحجة عليهم.
والحكمة في الإخبار بعدم إيمان هذا الصنف من الكفار: تسلية النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى لا يكون في صدره حرج من تمردهم وعدم إيمانهم بعد أن قام بواجب دعوتهم، وفي هذا تذكرة لكل داع مصلح بأن لا يحترق قلبه أسفا على قوم دعاهم إلى سبيل من الحق، وبذل جهده في دعم دعوته بالحجة، فنأوا بجانبهم، وانحطوا في أهوائهم.
{ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم}:
مخ ۲۳