وعني القرآن الكريم بمدح المنفقين، والحث على الإنفاق؛ إذ كان من أعظم الوسائل إلى رقي الأمم وسلامتها من كوارث شتى؛ مثل: الفقر، والجهل، والأمراض المتفشية، فببذل المال تسد حاجات الفقراء، وتشاد # معاهد التعليم، وتقام وسائل حفظ الصحة، إلى ما يشاكل هذا من جلائل الأعمال.
{والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك}:
هذا الوصف للمتقين بالإيمان بالقرآن وغيره من الكتب السماوية، بعد وصفهم بالإيمان بالغيب. والإيمان بما أنزل على الرسول إيمان برسالته، وموجب للعمل بما تضمنته شريعته، وإيجاب العمل بما تضمنه الكتاب المنزل على خاتم النبيين - صلوات الله عليه -، باق على إطلاقه. أما الكتب الأخرى، فيكفي الإيمان بأنها كانت وحيا وهداية، أما العمل، فإنما يتمسك فيه بما تضمنه القرآن المجيد، قال تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} [النحل: 89].
ويصح أن يراد من الآية: من آمنوا بالكتب المنزلة قبل الإسلام، ثم لما جاء القرآن، وعرفوا أنه الحق، آمنوا به كذلك، والجمع بين الإيمانين على هذا النحو مزية أشار إلى فضلها الحديث الصحيح الوارد فيمن له أجران، ومن بينهم: "رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وآمن بمحمد - صلى الله عليه وسلم -".
{وبالآخرة هم يوقنون}:
الآخرة تجيء وصفا للدار الباقية، كما قال تعالى: {وللدار الآخرة خير} [الأنعام: 32]، ثم كثر استعمالها بدون ذكر الموصوف، حتى صارت اسما يفهم منه الدار الباقية خاصة؛ كما قال تعالى: {وللآخرة خير لك من الأولى} [الضحى: 4]، وقال هنا: {وبالآخرة هم يوقنون} و {يوقنون}: من الإيقان، وهو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع بحيث لا يطرأ عليه شك، ولا تحوم به شبهة.
مخ ۱۹