قال: إني أريد أن أراه.
فأخذ البرنس بيده وقال له: هلم بنا إليه.
وكان هذا الطبيب يدعى كوكلين - وهو آسيوي الأصل - ولد قنا (عبدا) في أرض البرنس ماكوبولوف.
وقد أعتقه من الرق جد البرنس؛ أي إنه من عليه بعدم الاشتغال في الأرض، ومنع عنه تلك الضريبة التي كان لا بد لكل قن من دفعها لسيده ولو اشتغل في غير أرضه، وذلك قبل أن يمتنع الرق من بلاد الروس.
وقد درس منذ حداثته الطب، وبرع فيه حتى بات أشهر طبيب في روسيا.
واتفق مرة أنه كان طبيب إحدى فرق الجيش فأسره الشركس، وأقام في أسرهم اثنتي عشرة سنة، فلم يكن هذا الأسر في بلاد تقرب من الهمجية ليبعده عن الاشتغال في العلم، بل إنه اكتشف كثيرا من الأسرار الطبية كانت مودعة في صدور أولئك الشراكسة، فلما عاد إلى روسيا تعاظمت شهرته حتى ذاعت في كل البلاد.
على أن كوكلين لم يكن مشهورا فقط بطبه وعلمه، بل اشتهر أيضا بمروءته وكرم قلبه.
ولم يكن ينسى أنه خلق عبدا لأسرة ماكوبولوف، وأن جد هذه العائلة أعتقه من الرق، وعلمه بدلا من أن يشغله بحراثة الأرض، فآلى على نفسه أن يخدم هذه الأسرة الكريمة ويخلص لها الولاء مدى الحياة، فقد كان مدينا لها بالحرية والعلم.
وكان السبب في قدومه إلى باريس، أن البرنس كتب إليه كتابا بسيطا يدعوه فيه إلى موافاته، فترك عملاءه وأشغاله ولبى الدعوة من فوره؛ كي لا يدع البرنس ينتظره ساعة أكثر مما يلزم لحضوره. أما فيلكس فإنه نقل إلى قصر البرنس في أوائل أيام مرضه؛ لأنه بات من أصدقائه المخلصين، ولم يمتنع عن قبول دعوته لاستحكام الصداقة بينهما، وقد أنشأ معملا للتصوير في قصره، فكان فيلكس لا يخرج من هذا المعمل، وهناك كانت تراه أمه حين تزوره في كل يوم، فإنها بقيت في منزلها في أوتيل، وكذلك باكيتا فقد كانت تزوره هناك كل يوم، أما شارنسون فقد بلغ من كرم البرنس أنه أكرهه على الإقامة في قصره وملازمة فيلكس؛ إذ كان يراه شديد الائتناس به.
فلما دخل البرنس بالشيخ الطبيب المعمل، وجد فيلكس عاكفا على العمل، فقال له البرنس: إني أعرفك أيها الصديق بصديق لي جاء في هذا الصباح من روسيا لزيارتي، فصافحه فيلكس دون أن يخطر له أن هذا الرجل من الأطباء، ثم عاد إلى عمله وجعل يحدثهما وهو يشتغل حسب عادته، فقال له الطبيب: اسمح لي يا سيدي أن أسألك سؤالا لا بأس إذا دل على سذاجتي، فإني تتري.
ناپیژندل شوی مخ