أما ملابسه فقد كانت شبه ملابس الشعوب التي تسكن شمال آسيا؛ أي إنه كان مرتديا بمعطف مبطن بالفرو، وعلى رأسه قبعة كلها من فرو السمور، الثمين النادر الوجود، وفي صدره شارة تدل أنه متقلد وسام القديسة حنة، وقد استقبله البواب - وهو روسي - بملء الاحترام مما يدل على أنه من عظماء الروس.
أما البرنس فإنه أسرع إلى استقباله، فعانقه معانقة الأهل أو الأصدقاء، وقال له: لقد وصل إلي تلغرافك وأنا أنتظرك منذ أمس بذاهب الصبر ...
فقال له الشيخ: وأنا تلقيت كتابك يا مولاي، فهرعت إلى تلبية أمرك من فوري، وسافرت ساعة وصوله، فتأبط البرنس ذراعه ودخل به إحدى قاعات القصر، فجلس، وبقي الشيخ واقفا فقال له البرنس: إني دعوتك لتنقذ فتى عجز جميع أطباء باريس عن شفائه وحكموا عليه بالموت.
فلم يجبه الشيخ. فقال له البرنس: إن هذا الفتى صديقي، فرفع الشيخ يده إلى السماء دون أن يجيب. فقال البرنس: إنك أمهر طبيب في جميع روسيا.
قال: هذا الذي يقولونه عني غير أنه يوجد أمراض لا حيلة فيها للطب، ولا يفيد فيها العلم.
قال: هو ذاك، ولكن رجائي فيك وطيد.
قال: أين المريض؟
أجاب: هنا في منزلي، ولكن لا بد لي قبل أن تراه أن أروي لك عنه ما يجب أن تقف عليه. قال: إني مصغ إليك يا مولاي.
وقد كان هذا المريض - كما توقع القراء - فيلكس نفسه، فروى البرنس للطبيب كل ما عرفه القراء من حكايته، وبسط له اجتهاده، وبساطة عيشه، وشغفه بباكيتا، وكيف هاج ذلك الشقي أنيتور في قلبه عوامل الغيرة حتى أصيب بحمى أضلت صوابه، فحطم تمثاله، وحاول أن ينتحر. ثم قال للطبيب: وقد لبث بعد ذلك شهرا ونحن قانطون منه، فقد أصيب بالجنون، ولكن صوابه عاد إليه بعد ذلك، فعادت إليه الرغبة في العمل، وأراد أن يعيد صنع تمثاله الذي كان يرجو أن يفوز فيه كل الفوز في المعرض.
وقد وهمت ووهمت المرأة التي يحبها وحسبنا أنه شفي، ولكنا كنا منخدعين فقد كان وجهه يزيد اصفرارا في كل يوم، وبان له خطان زرقاوان تحت عينيه، وكان يسعل سعالا جافا يتمزق به صدره، إلى أن قال لنا الأطباء يوما إنه مصدور، وإن هذا المرض قد استعصى فيه حتى تعذر شفاؤه، فكان بعضهم يقولون: إنه لا يعيش أكثر من ستة أشهر، ويقول آخرون: إنه سيسقط بسقوط أوراق الخريف.
ناپیژندل شوی مخ