وهذه المسألة من المسائل التي قام فيها الخلاف بين أئمة الكلام، وانقسم فيها أهل السنة إلى قسمين. فذهب جمهور الماتريدية وعامة مشايخ سمرقند إلى أنه تعالى لو لم يبعث للناس رسولا لوجب عليهم بعقولهم معرفة وجوده تعالى ووحدته واتصافه بما يليق به من الحياة والعلم والقدرة وغيرها، وكونه محدثا للعالم؛ وهو أيضا أرجح قولي الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه. وذهب جمهور مشايخ الأشاعرة إلى أنه لا يجب إيمان ولا يحرم كفر قبل بعث الرسل. ولا يرد على الأول أنه لو كان العقل حجة كافية ما أرسل الله الرسل، ولاكتفى به؛ لأنه يقال في جوابه: لما كان أمر البعث والجزاء مما يشكل على العقل وحده، إلا بعظيم تأمل فيه، وكذلك أنواع العبادات والحدود ونحوها لا تنال بمجرد العقل - كان إرسال الله تعالى رسله وإنزال كتبه، لبيان ذلك. وأصل الخلاف إنما هو في الإيمان بالله، لا في أحكام الشرائع. فإن قيل لو كان العقل كافيا في ذلك لاقتصرت الشرائع على بيان ما ذكرتم، ولم تتعرض لأحكام الإيمان بالله تعالى وتنزيهه، واتصافه بصفاته اللائقة ونحوها، اكتفاء بدلالة العقل عليها. قلنا: كان ذلك لزيادة التمكين وتتمة البيان، من قبيل توارد الأدلة وتعاقبها. فإنه تعالى لم يدعنا والبيان بآية واحدة، بل من علينا سبحانه بآيات متكررة، وكذلك لم يدعنا ورسولا واحدا من أول الأمر إلى آخره، والحجة كانت قائمة بالواحد، كما بقيت بنبينا
صلى الله عليه وسلم
إلى القيامة؛ فلا يدل ذلك على أن الرسول الواحد أو الآية الواحدة لم يكونا حجة كافية.
هذا محصل ما ذكروه في هذا المقام، ولكل من الفريقين أدلة من الكتاب والسنة يحتج بها لمذهبه، فاطلبها إن شئت في كتب الكلام، خصوصا فيما ألف منها في الخلاف بين الماتريدية والأشعرية؛ وانظرها أيضا في كتب التفسير عند قوله تعالى:
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا .
ناپیژندل شوی مخ