1
إلى شيء فيه راحتهما، سواء في مرضهما أو في عافيتهما، ما داما في عداد الأحياء، وأشعر شعور اليقين أنك لم تدخر وسعا في الاعتماد على اسمي في استحضار طبيب، أو أي شيء آخر يطلبه أبي في مرضه، إنني اليوم بحيث لا أستطيع أن أبتعد عن بيتي، حتى ولو لم يكن مرد ذلك إلى سبب قائم هو مرض زوجتي، وإني لآمل أن يسترد أبي عافيته، وعلى أي حال فإني أرجو منك أن تذكره بأن يتجه إلى خالقه ويدعوه، فلن يتولى عنه العظيم الرحيم إذا دعاه في أية شدة، وهو الذي لا يغيب عنه موت العصفور ويعلم عدد شعرات رءوسنا، ولن ينسى الخالق رجلا يقضي نحبه وقد وثق قلبه به. قل لأبي إنه لو كان من المستطاع أن نلتقي الآن فإن لقاءنا يكون أدعى إلى الألم منه إلى السرور، وإذا قدر عليه أن يفارق الحياة فإنه سينعم بأكثر من لقاء بكثيرين ممن سبقونا إلى الموت، حيث يأمل بقيتنا أن يذهبوا بعد قليل برحمة من الله وفضل، اكتب لي ثانية بعد وصول هذا إليك.
وكأنما يذكره موت أبيه بموت أمه، وإلا فما بال خيالها يطوف بخاطره أكثر من ذي قبل كأنها هي التي تموت اليوم، وقد مر على موتها زمن طويل.
وإنه ليفضي إلى صاحبه هرندن ذات يوم بحديث عن أقاربه وصلته بهم، ويتطرق الكلام أثناء هذا الحديث إلى منشئه، فيكشف لنكولن لصاحبه عن سر يتصل بأمه؛ وذلك أنه لا يعرف أجداده لأمه؛ فقد كانت أمه التي أحبها والذي يجل ذكراها ابنة رجل مجهول، وسيظل هذا الرجل مجهولا أبدا، وكل ما يستطيع أن يعرفه عنه أنه من أهل الجنوب، وبيان ذلك أن جدته لأمه كانت تعيش وهي فتاة في ولاية فرجينيا في الجنوب، فأصبحت ذات حمل وإن لم تتزوج، ووجدت نفسها بعد أشهر الحمل تضع أنثى، وكانت هي وحدها التي تعرف والد هذه الأنثى، ولقيت من أهلها أشد الغضب لزلتها، ولكنهم احتضنوا بنتها فنشأت بينهم تنتسب إليهم وليست منهم، ذلك هو السر الذي يفضي به لنكولن إلى صاحبه على ما فيه مما يوجب الكتمان.
ويردف أبراهام قائلا لصاحبه إنه إن كان ثمة من ميزة فيه لا يوجد مثلها في أحد من ذوي قرباه، فمردها لا ريب إلى أجداده المجهولين من أهل الجنوب.
ويحرص أبراهام على وفائه لزوج أبيه بعد موته، ويدعوها أمه في كتبه التي يرسلها إلى ابنها جون جونستون، وهو لا ينسى ما كان من حدبها عليه ومحبتها إياه بعد موت أمه، حتى لكأنه كان ابنها، وقد كان يسمع عن زوج الأب ما زاده إجلالا ومحبة لهذه السيدة العطوف الرحيمة القلب، التي أحس أنها تقوم منه مقام أمه التي ولدته.
حفظ لها جميل صنعها وهو الوفي بطبعه، العظيم الإنسانية بقلبه، وراح يدافع عنها ويمد لها يد العون ويحميها حتى من طيش ابنها وسوء تدبيره.
وكان جونستون يكدر خاطر أبراهام بطلب المال منه المرة بعد المرة، وما يتكدر خاطره إلا لأن هذا الطلب دليل على فساد جونستون أو كسله، اقرأ هذا الكتاب الذي أرسله إليه أبراهام، وقد كثر طلبه المال منه، فستجد فيه أسلوبه في الإقناع وطريقته في الإحاطة بما يعن له من أمر، ومهارته في أن يؤنب في غير إساءة أو استفزاز، وأن يجلو الرأي حتى ما يدع حجة لمجادل، وهذه صفاته التي سوف تبرز غدا في مجال فسيح؛ هو مجال الصراع بين الشمال والجنوب بسبب معضلة الرق، قال أبراهام:
عزيزي جونستون
لست أرى من الخير الآن أن أوافقك على طلبك، فأرسل إليك تلك الريالات الثمانين. لقد كنت تقول في كل مرة من المرات السالفة التي أعنتك فيها إعاناتي اليسيرة إنك سوف تسير في الحياة بعدها سيرا مرضيا، ثم لا ألبث أن أجدك حيال صعوبة تعترض لك، وليس يحدث ذلك إلا لعيب في مسلكك، وأظنني أعلم ماذا يكون ذلك العيب، ليس الخمول من صفاتك، ولكنك مع ذلك تتقاعد، وإني لأشك في أنك منذ رأيتك قد ملأت بالعمل يوما واحدا من أيامك، إنك لا تكره العمل كرها شديدا، ومع ذلك فإنك لا تحب أن تقبل كثيرا على العمل؛ لما يخيل إليك من أن ذلك لا يعود عليك بكثير جدوى. إن هذه العادة، عادة إضاعة الوقت في غير ما يجدي، هي سبب ما تلقى من مصاعب، وإنه لأمر عظيم الأهمية بالنسبة لك، وأعظم أهمية بالنسبة لأولادك أن تتخلص من هذه العادة، وهو أعظم أهمية بالنسبة لأولادك؛ لأن أمامهم أن يعيشوا أطول مما تعيش، ولأيسر عليهم أن يتجنبوا عادة سيئة قبل أن تحيط بهم من أن يخرجوا منها بعد إذ دخلوها. إنك الآن محتاج إلى بعض المال، وإني أقترح أن تؤدي عملا ما بسنك وظفرك لمن يدفع لك أجرا على هذا العمل، ولكي أضمن لك جزاء حسنا على اجتهادك، فإني أعدك أن أدفع لك نظير كل ريال تكسبه أو تنقصه من دينك ريالا من عندي، وذلك منذ اليوم حتى أول مايو، وبهذا فإنك إذا استؤجرت بعشرة ريالات كل شهر تحصل مني على عشرة مثلها، فيجتمع لك عشرون ريالا في الشهر أجرا لعملك. ولست أعني أن تذهب بعيدا إلى سنت لويس، أو إلى مناجم الرصاص، أو مناجم الفحم في كليفورنيا، وإنما أعني أن تبحث عن أحسن أجر يمكنك أن تحصل عليه على مقربة من مقرك، إنك إن فعلت هذا تخلصت من دينك وظفرت بما هو خير من ذلك؛ ألا وهو عادة تعصمك من الوقوع في الدين كرة أخرى، ولكني إن خلصتك من دينك الآن، فإنك سوف تغرق منه في عامك القادم إلى مثل ما تغرق كل حين.
ناپیژندل شوی مخ