وكان الحزب الجمهوري، الذي يعد أبراهام اليوم من أبرز رجاله، أقوى الأحزاب نفوذا وأعزها نفرا؛ إذ كانت مبادئه أقرب من غيرها إلى جمهرة الناس في الشمال؛ فهو يحول دون انتشار الرق وإن كان يرعى جانب الدستور في كل ما يقول أو يعمل.
وأخذ الجمهوريون يستعدون للمعركة القادمة، فامتلأت صحفهم بفيض أقلامهم، وماجت كبريات البلاد في الشمال بمظاهر نشاطهم ومعالم استعدادهم.
ولبث أبراهام في سبرنجفيلد خائفا يترقب، وأي شيء أدعى إلى الخوف عنده من تصدع الاتحاد، فلئن فاز أحد الجمهوريين بالرياسة، فماذا يكون موقف أهل الجنوب؟!
وماذا يكون الحال لو فاز هو بالرياسة؟ طفق أبراهام يسأل نفسه هذا السؤال فتجيبه نفسه أو تسأله سؤالا آخر؛ أواثق هو من ترشيح حزبه إياه حتى يفكر في الرياسة؟
وماذا عسى أن يحول بين الحزب وبين أن يرشحه؟ إن نفسه لا تفتأ توحي إليه أنه مرشح الجمهوريين في الانتخاب القادم، وكلما استبعد ذلك هجس في نفسه هاجس لا يتبينه ولا يجهله، فيملؤه ثقة وأملا بأنه الرجل الذي سوف تجتمع عليه القلوب.
ولم يقنع أبراهام بانتظار ما عسى أن تأتي به الأيام، فشمر عن ساعديه يدعو لنفسه ولكن بين خاصته ومحبيه؛ وذلك بكتبه إليهم وأحاديثه معهم، أما إذا سأله من لا يطمئن إلى إخلاصه هل يطمح إلى الرياسة، رد عليه في تواضع وكياسة بما لا يدع مجالا لاتهامه بالتطلع ولا بالإحجام، تجد ذلك في رده هذا: «إنني إذ أتذكر ما يكون عليه حال رجل ليس بالعظيم جدا حين يذكر اسمه ليشغل منزلة عظيمة جدا، وما يصيب رأسه إذ ذاك من دوار؛ أصارحك أني لست أليق شخص لإجابتك على ما سألتنيه من سؤال.»
وكان في الحزب الجمهوري رجلان يخشى أبراهام منافستهما إياه: أولهما هو سيوارد حاكم نيويورك السابق، وهو من أقدم رجال الحزب ومن أوسع الناس ثقافة ومن أعظم السياسيين جاها، فضلا عن أن كرهه للرق ونضاله ليحول دون انتشاره لا يقل عما بذل أبراهام من جهد في هذا السبيل؛ وثانيهما تشيس حاكم أهايو، وهو كصاحبه ثقافة وجاها، ولعله أعرق منه في محاربة الرق، وكانا كلاهما عضوين في مجلس الشيوخ ومن أساطين القانون والمحاماة.
وكان أبراهام يرجح أن يختار أحدهما لولا ذلك الصوت الذي يهجس في نفسه، فيحس أنه هو المختار، على الرغم مما يبدو له من رجحاتهما. وكان صديقه هرندن يستبعد أن يكون أبراهام هو المرشح، قال في ذلك: «لم يكن أبراهام ذا مال، وكان يعوزه أي تنظيم لأموره مهما يكن نوعه، وكان لسيوارد ذلك كله، ومن ورائه سجل براق في مجلس شيوخ الاتحاد، به يبهر عيون أتباعه.»
وكان يشعر الناس أن مرشح الجمهوريين هو الفائز في المعركة بالرياسة؛ لذلك كان اتفاقهم على رجل هو كل شيء بالنسبة إلى هذا الرجل؛ إذ لا يبقى بينه وبين الرياسة بعد ذلك إلا خطوة.
وفي ربيع ذلك العام الفذ عقد الجمهوريون في ولاية إلينوى مؤتمرا؛ لينظروا في نشر الدعوة لأبراهام فيما يصل إليه سعيهم من الولايات؛ ليحظى بترشيح الحزب إياه في مؤتمره العام الذي سوف ينعقد عما قريب ليختار رجله لمعركة الرياسة.
ناپیژندل شوی مخ