ابجد علوم
أبجد العلوم
خپرندوی
دار ابن حزم
د ایډیشن شمېره
الطبعة الأولى ١٤٢٣ هـ
د چاپ کال
٢٠٠٢ م
الذم: الهيمان في كل واد من الكذب والباطل وبهذا الاعتبار الشعر مذموم وكل ما ورد من ذمه في القرآن والحديث فهو راجع إلى هذا الاعتبار وهو ممدوح باعتبار اشتماله على الحكم ولذا ميز الله - سبحانه - الشعراء المؤمنين عن هؤلاء المشركين بالاستثناء وأرشد النبي ﷺ إلى ذلك بقوله: "إن من الشعر حكمة" وأما قوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ فهو رد على الكفار القائلين: بأنه ﷺ شاعر ولا يخفى أن القرآن ليس من جنس الشعر ولا يقول به من له أدنى تمييز لأن الشعر يكون مقفى موزونا وليس القرآن كذلك ويمكن أن يكون قولهم مبينا على: أن الشاعر يراعي الوزن والقافية في الكلام فالذي يكون قادرا على الشعر سهل له أن ينشئ الكلام بلا مراعاة الوزن والقافية فما يأتي به هو ناشئ عن سليقته لا كما يدعي أنه منزل من السماء فرد الله - سبحانه - عليهم وقال: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ﴾ لأن أكثره خيالات لا حقيقة لها وتغزلات بالنساء والأمارد وافتخارات باطلة ومدائح من لا يستحق إلى غير ذلك والقرآن ليس على هذا الأسلوب ثم أيده بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أي: لا يليق بشأنه لأن الشعر قلما يخلو عن الأمور المذكورة وقد امتحنتموه ﷺ نحوا من أربعين سنة فما وجدتم من أقواله وأفعاله وأحواله ما يناسب شيئا منها ولا يخفى أن في قوله - تعالى -: ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ إشعارا بأن النبي ﷺ كان قادرا على الشعر ولم يقله بناء على أنه ما كان ينبغي له فإنه - سبحانه - نفى الانبغاء دون القدرة عليه ثم أيده بقوله - تعالى -: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ أي: كتاب سماوي ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإعجاز.
وقد تبين من هذا: أن في الآية تنزيه النبي ﷺ عن أن يملي القرآن بسليقته كما هو شأن الشعراء حيث يملون الكلام الموزون بسلائقهم وإذا أمعنت النظر لا تجد فيه ذما للشعر بل تجد مدحا عظيما وليت شعري أي شيء يستدعي إلى ذم الشعر مطلقا؟ فإن الحسن والقبح راجعان إلى المعنى - كما تقدم - وإذا كان المعنى حسنا فالمنظوم أزيد حسنا وجمالا من المنثور وأنفع للمتكلم في ما قصده من إيقاع المعاني في نفس المخاطب وللمخاطب في التوجه إليه بالرغبة
ولقد أجاد البوصيري حيث قال:
فالدر يزداد حسنا وهو منتظم ... وليس ينقص قدرا غير منتظم
وكان النبي ﷺ يتمثل بقول طرفة وهو: ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويقول: أصدق كلمة قالها الشاعر: كلمة لبيد:
ألا كل شيء ماخلا الله باطل ... ...................................
وروي أن النبي ﷺ قال لعائشة ﵂: "أهديتم الفتاة إلى بعلها"؟ قالت: نعم قال: "فبعثتم معها من يغني"؟ قالت: ولم نفعل؟ قال: "أو ما علمتم أن الأنصار قوم يعجبهم الغزل؟ ألا بعثتم معها من يقول:
أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم
ولولا الحنطة السمرا ... ء لم نحلل بواديكم"
وقد ورد في الصحيح أنه قال ﷺ يوم الخندق:
بسم الله وبه هدينا ... ولو عبدنا غيره شقينا
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
1 / 182