Suami Saya Tharwat Abaza
زوجي ثروت أباظة
Genre-genre
ومن مداعبات بابا أحمد لنا هذه القصة؛ فقد كنا نخرج كثيرا في أوائل سنوات الزواج، وكنا نذهب إلى السينما مرتين في اليوم، وكانت لي صديقة شابة مطلقة وعلى خلق عظيم، فكنا دائما ندعوها للخروج معنا؛ لأنه في ذلك الوقت لم يكن مسموحا لشابة في سنها أن تخرج وحدها أو حتى مع صديقات لها؛ فكانت تخرج يوميا معنا، وكنا جميعا سعداء بذلك. وفي يوم كنت أزور عمي فقال لي أتخرجين دائما مع صديقتك فلانة؟ قلت له نعم، فقال لي: إن والدتها قالت لي إنها تتمنى لو أن ابنتها تتزوج من ثروت.
على رغم أنني أعرف أنه يمزح إلا أنني قلت لنفسي وما أدراني لعلهم يفكرون في ذلك فعلا؛ فإذا بي أنقلب 180 درجة من ناحية صاحبتي المظلومة، وقررت ألا أدعوها للخروج معنا بعد ذلك. وفي يوم قال لي زوجي: هيا نذهب إلى السينما وكلمي صديقتك لتأتي معنا، فإذا بي أنفجر فيه وأحاصره بالأسئلة؛ فبهت ولم يجب. وهكذا كانت دعابة عمي سببا في حرمان صديقتي من الخروج. ولكن صداقتنا بقيت كما هي؛ فهي لا ذنب لها إلا أنني أخذت دعابة عمي مأخذ الجد، وظلت هي حبيسة المنزل إلى أن تزوجت مرة أخرى وأفرج عنها.
وأول مرة سافرنا فيها معا إلى أوروبا كانت في يناير سنة 1967م، فقد فاجأنا صديقنا «محمود خضر» وكان عضوا بارزا في المخابرات العامة، وفي نفس الوقت كان زوجا لراوية أباظة وهي من أقرب المقربين لنا؛ فاجأنا حين قال لثروت: «استطعت أن آخذ لك ولزوجتك إذنا بالسفر إلى الخارج.» وكان السفر في هذا الوقت من أصعب الأشياء ، وكان في أضيق الحدود لا يسمح به إلا للمرضى، وحتى المريض الذي يحتاج إلى العلاج في الخارج يعرض على «قومسيون» طبي للتأكد من مرضه، وقد يعقد هذا «القومسيون» بعد أن تسوء حالة المريض، ولكنه يضطر للانتظار حتى يأتي دوره، ولا يحصل على قرار «القومسيون» إلا المريض سعيد الحظ. كان هذا بالنسبة للمريض فما بالك بالسليم؟ تملكتنا فرحة غامرة وكنا لا نكاد نصدق أنفسنا؛ فلسنا ضباطا أو مشرفين على الموت حتى يسمح لنا بالسفر، وشكرنا صديقنا «محمود خضر» ولم ننس له هذا الجميل إلى الآن. وبعد الفرحة والسعادة تذكرنا أننا لا نملك تكاليف السفر، وما هي إلا ثوان ووجدتني أذهب إلى أبي وأقص عليه ما حدث؛ فقال دون تردد: «دي فرصة ما تتسابش.» وتكفل على الفور بتكاليف سفري أنا وثروت، فأخذ يبحث عن وسيلة إلى أن اهتدى إلى طريقة تحقق له هذا السفر، فقد اتصل بناشر لبناني كان قد نشر له كتابا وطلب منه، بوسيلة أو بأخرى أن يحول مستحقاته من لبنان إلى سويسرا على بنك في جنيف، وهذا البنك يتعامل معه صديق له.
وتم الاتفاق وسافرنا، وكان سفرا مباركا، ففي روما أول محطة لنا وجدنا السيدة «قوت القلوب الدمرداش» وهي صديقة للعائلة الأباظية، وكانت قد غارت مصر مع أولادها بعد الثورة لأنها كانت من أغنى الأغنياء، ووضعت تحت الحراسة واستولت الحكومة على بيتها الذي كان يطل على كوبري قصر النيل. خصصت لنا هذه السيدة الكريمة سيارة «مرسيدس» يقودها ابنها الأكبر لنتجول بها في روما، وكان ثروت مصرا أن يرى تمثال «موسى» لمايكل أنجلو، ولم يكن موجودا في متحف إنما كان في مكان على ربوة في وسط المدينة، فأخذ سائقنا وهو ابن صديقتنا يسأل ويبحث إلى أن وجدناه. ولهذا التمثال قصة شهيرة حكاها لي أبي وأنا طفلة «وهي أن صانعه الفنان العظيم بعد أن أتم نحته نظر إليه فأخذ بعظمته فلم يتمالك من أن يأخذ عصاه ويضربها على التمثال ويقول له: انطق!» وتم لزوجي ما أراد. وكان سفير مصر في إيطاليا هو المربي الكبير «نجيب هاشم» الذي كان ناظرا على ثروت في المدرسة الثانوية، ويعرفه جيدا لأنه كان يشكوه دائما لوالده دسوقي باشا لتأخره عن ميعاد الدخول صباحا. وعاملنا «نجيب بك هاشم» كوالد وعرفنا بعائلته الكريمة وأحببناهم جميعا. ولا أنسى سفيرنا في الفاتيكان «محمد التابعي» وزوجته فهما أصدقاء الأسرة أيضا، وكيف اهتما بأمرنا، وتبادلت زوجت السفيرة «نجيب بك هاشم» وزوجة السفير «محمد بك التابعي» الاهتمام بي وخصوصا في الذهاب إلى المحلات، وكانت كل منهما تصحبني إلى المحل المفضل عندها، وكنت أجد نفسي مضطرة للشراء مجاملة لهما مع أن الميزانية لم تكن في منتهى الازدهار. وعند سفرنا من روما إلى باريس أوصلنا مستشار السفارة وكان زميلا لثروت في المدرسة بسيارته «المرسيدس» إلى المطار، وفي باريس قابلنا «إبراهيم الدسوقي أباظة» الذي كان يحضر الدكتوراه هناك وهو المحامي والكاتب الكبير الآن في جريدة الوفد، وقد تنازل لنا عن شقته الكائنة في شارع «جان جاك روسو» واستعار سيارة صديق له لنتجول بها في باريس وضواحيها. واستقبلنا في مطار باريس أيضا «إبراهيم أباظة» وكان يعمل في شركة مصر للطيران، وكان يلازمنا دائما ويدعونا إلى منزله على أكلات مصرية تصنعها زوجته الجميلة أمينة. ومن باريس ذهبنا إلى لندن، وهناك وجدنا صديق زوجي المقرب جدا إليه وقد ترجما معا أعمال «همنجواي» و«شتاينبك» وهو «عبد الله البشير» وكان ملحقا ثقافيا هناك ويملك ناصية اللغة الإنجليزية، وقد تولى أمرنا طوال إقامتنا في لندن. كل هذا الإكرام في هذه الرحلة كان راجعا للصداقة الشخصية فقط، ووجد ثروت كل شيء سهلا ميسرا على الرغم من أن المسافر لأول مرة يجد صعوبة في التعرف على معالم المدينة وفي المواصلات. وكنت أقول له: إن صفاء نفسك وطيبة قلبك جعلنا نسافر كالملوك على رغم أنه ليس لك أية صفة رسمية وإنما أنت محاط بحب الناس واحترامهم.
وكتبت لأبي أشكره وأطمئنه علينا فهو يعلم أننا نسافر لأول مرة، وقلت له: إننا سعداء جدا وننتقل في جولاتنا من مرسيدس إلى مرسيدس.
ولما عدنا إلى القاهرة استقبلنا أولادنا في المطار، وكان دسوقي يحمل في يده «برطمانا» صغيرا لوح به في وجهنا وهو في غاية السعادة، وقال: «لقد عملت عملية المصران، أهو في البطرمان.» فانزعجنا وضمه أبوه إلى صدره وقال له: «لن أغيب عنك أبدا مرة ثانية.» فبكى دسوقي وكان في الثامنة من عمره، فنظر إلي ثروت وقال لي بيتين من شعر أمير الشعراء عن أولاده:
بكيا لأجل خروجه في زورة
يا ليت شعري كيف يوم فراقه
لو كان يسمع يومذاك نداهما
ردت إليه الروح من إشفاقه
Halaman tidak diketahui