فسكت عارف وانثنى راجعا، فتعثر بإناء من أواني الفخار فأخذه بيده ورماه تحت السطح وهو يقول في نفسه: سألحقه به إذا لقيته ليلة ثانية هنا.
ومر على هذا الحادث أسبوعان، والابن ينظر إلى أبيه شذرا والأب لا يكلم ابنه إلا تكلفا، وكان عارف ومريم قد عزما أن يسافرا سرا إلى بيروت.
وفي هذا الأوان جاء الناصرة أحد أقاربهم؛ أيوب مبارك، ليراقب حصاد أرزاق له في المرج، فأقام عندهم بضعة أيام أو بالحري بضع ليال؛ لأنه كان ينزل باكرا إلى المرج ولا يعود حتى المساء، فظن يوسف أفندي أن وجود أيوب عندهم يردع عارفا عن غيه، ونهض ذات ليلة يغتنم تلك الفرصة الثمينة، وما كاد يصل إلى السطح حتى رأى عارفا خارجا من غرفة مريم، فصاح به قائلا: يا لعين، أتضطرني أن أراقبك حتى في الليل؟ ألا تنجو خادمة من شرك؟ إلى متى هذا التهتك؟ إلى متى هذا الجنون؟
فسمعت مريم صوت سيدها ووقفت واجفة عند الباب تسترق السمع.
وظل عارف مكانه ثابت الجأش هنيهة، ثم قال متهكما وهو يشير بيده إلى غرفة مريم: تفضل، تفضل.
وخطا خطوة نحو أبيه وهو يصر أسنانه غيظا. - ستندم يا كلب على فعلاتك. - سمع أذنك يا أبي سمع أذنك.
ووثب إلى أبيه يهول بيديه، فصفعه أبوه صفعة اصطدم منها بالحائط.
فلطمت مريم داخل الغرفة وجهها ولم تجسر أن تخرج إلى السطح.
وراح عارف يسب أباه وينذره بالويل، وأخرج من صندوقه تلك الليلة الخنجر الذي كان يحمله في بيروت.
وفي اليوم الثاني أطلع أمه على ما جرى فأعطت مريم أجرتها وطردتها من البيت، وأسرع يوسف أفندي إلى الدير فأوعز إلى القس جبرائيل أخيه أن ينقل الفتاة من بيته حالا، فاستمهله لذلك يوما واحدا.
Halaman tidak diketahui