141

فقال سيف: الهلاك أهون ما يخاطر به مثلي.

فقال كسرى: كأنني أسمع صوتا أعرفه. أعد علي اسمك يا فتى.

فقال سيف: ابن أبي مرة ذي يزن.

فصمت كسرى لحظة ثم قال لترجمانه: ألا تذكر اسمه يا وهرز؟

فقال الترجمان الشيخ: أظنه صاحب القصيدة يا مولاي.

فعاد كسرى إلى الصمت لحظة ثم قال فجأة: ذكرته يا وهرز، لقد صدقت يا فتى. كان لأبيك دين في عنقي، قل له إنني منجز وعدي.

وأشار بيده فأخذ كبير الحراس بيد سيف مترفقا حتى خرج به من الإيوان، وسيف يحس أنه لم يبلغ بعد مما أراد شيئا. كانت كلمة قصيرة ثم صرف من حضرة الملك ولم يسمع منه قولا، وخرج وهو يحس كأن الأرض تنهار من تحت قدميه، حتى وقف بالباب مع مئات من طلاب الإذن وأصحاب الحاجات. وخيل إليه أن قلبه يدمى. أهذا كل مبلغ أبيه عند كسرى؟ رجل أرسل إليه قصيدة؟ وضحك في نفسه ضحكة مرة وهو ينظر إلى الجموع الأنيقة التي تنتظر بالباب. أهكذا كان أبوه يقف كل يوم طوال السنين؟ وكان الناس يتحدث بعضهم إلى بعض وعيونهم تنزلق نحو حجاب الباب الذين يدخلون إلى الإيوان ويخرجون منه. كان كل منهم يتربص بفرصة يفوز فيها من أحدهم بكلمة، ثم يطأطئ رأسه احتراما وينصرف بغير أن ينظر الحاجب إليه. أهكذا كان أبو مرة ينحني؟ ألا شد ما لقي! وبدت له حياته كلها باطلة تافهة، وإن ميتة في معركة مجهولة في بطن فلاة لا يعرف أحد من أسرارها شيئا خير من أن تمتد به الأيام على مثل هذا. وسمع صوتا كأنه ينادي باسمه، فإذا حاجب يقلب نظرة هائمة في الوجوه ويقول: «ذو يزن.» فقام سيف من مجلسه وذهب إليه متلهفا. أيكون كسرى قد بعث إليه ليستمع إلى بقية حديثه؟ وذهب به الحاجب إلى حجرة فسيحة ذات نقوش بديعة على جدرانها وسقفها، وعلى جوانبها قطع من سلاح وتحف شتى، وكان في صدرها مجلس أنيق عليه بسط ووسائد، والشيخ وهرز يستقبله باسما. ونسي سيف في دهشته أن يحيي حتى انحنى الحاجب نحو الأرض، فأومأ سيف بانحناءة. وكان وجه وهرز مجعدا تعترضه أسارير عميقة تتخللها جراح، وشعره الأبيض يتوج رأسه ويطل من حاجبيه البارزين فوق عينيه. ونظر إليه سيف في إعجاب صامتا. وقال وهرز: لقد أعجبت الملك العظيم يا فتى، وها هو ذا دينك.

ثم أشار إلى الحاجب فحمل كيسا ضخما كان على الأريكة فقدمه إلى سيف، وفتح الشاب عينيه في دهشة ونظر إلى الحاجب ثم إلى الشيخ قائلا: أي دين هذا؟

فقال وهرز في ارتياح: هذه جائزة أبيك.

ومد سيف يده إلى الحاجب فحمل الصرة الثقيلة في شيء من العنف، ولم يقف لحظة ليقول كلمة، وكان يحس في صدره مرجلا يوشك أن ينفجر. ألهذا جاء إلى كسرى؟

Halaman tidak diketahui