Waris Kerajaan Terlupakan
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genre-genre
أخذني بيني في جولة بالقرية بعد ظهر ذلك اليوم، موضحا الكيفية التي كانت العائلات تستعد بها لعيد الفصح. لاحظت أنه كان يتجول ببساطة في منازل الآخرين، دون الحاجة حتى إلى قرع الجرس أو الاستئذان. في مخزن بالطابق السفلي لأحد المنازل، حيث كدست أسرة الأطفال وعرباتهم على الحائط لتوفير مساحة، كان رجل يحمل الاسم العربي غيث (اسمه العبري موشيه) يفرد العجين، المصنوع من الدقيق والماء فقط، على صفيحة معدنية مقوسة ساخنة تسمى «الطابون». كانت يلزم تحضير مخزون كبير؛ فكما هو الحال في التقليد اليهودي، لا يمكن تناول شيء إلا الفطير غير المخمر خلال أيام عيد الفصح السبعة، التي كانت على وشك أن تبدأ. وزع علينا بيني بضع قطع من الخبز الساخن، الهش، عديم النكهة. في المدة التي سبقت عيد الفصح وخلاله، كان من المتوقع أن يتولى الرجال مهام الطبخ وغيرها من المهام. جلست زوجة غيث على مقربة، ومزاجها سيئ بعض الشيء. وقالت بالعربية: «أتولى الطهي 364 يوما في السنة، ولا أحد يأتي لالتقاط صور لي وأنا أفعل ذلك. وهو يفعل ذلك يوما في السنة ويظن الجميع أنه أمر مذهل؟!»
كان ثمة التزام سامري آخر لم أكن قد رأيته بعد، لكنني تلقيت مقدمة مكثفة عنه في صباح اليوم التالي. رحت في غفوة متقطعة في قاعة الضيوف حيث أجلسني السامريون، واستيقظت على صوت غريب، همس قوي يتردد في الغرف الفارغة حولي. كان واضحا أنه لم يكن أي نوع من المحادثات أو المناقشات؛ لأنه كان نحو ثلاثين صوتا يتحدثون بلا انقطاع، ولكن بلا تناغم. لبضع دقائق لم أتمكن من معرفة مصدر هذا الصوت. ثم أدركت أن قاعة الضيوف كانت بجوار الكنشا، أي الكنيس السامري. ذهبت لأرى ما كان يحدث. وعند مدخل «الكنشا» تعين علي أن أخلع حذائي وأضعه في غرفة خارجية؛ فمثلما خلع موسى حذاءه عند تلقيه الناموس على جبل سيناء (أو جبل جرزيم، حسب العقيدة السامرية)، كذلك يخلع السامريون أحذيتهم في حضرة ذلك الناموس.
كانت غرفة الصلاة جهة الشرق، وكان محراب في أحد طرفيها مغلقا بستارة صفراء، وأمامه جلس رئيس الكهنة ذو الرداء الأبيض وأخوه. كانت هناك ساعة صغيرة وبجانبها مينوراه، الشمعدان السباعي، على الحائط المطلي باللون الأبيض، وكانت الثريات ومراوح السقف معلقة بالأعلى. شيد المبنى في ثمانينيات القرن الماضي، ولكن المحراب كان يضم لفائف رقية مكتوبة منذ قرون، ربما حتى من آلاف السنين. أطلق عليها ميلز اسم «مبتغى العلماء الأوروبيين ومبعث يأسهم»، وكاد إصراره على رؤيتها «أن يتحول إلى حمى». عندما اطلع عليها في النهاية، وجد كتابة على إحداها تزعم أن الوثيقة كتبت في العصور التوراتية. كان هذا مستبعدا - فحتى الورق الرقي لن يصمد كل هذه المدة الطويلة - ولكن ربما نسخت من وثيقة من تلك الحقبة. توجد لفائف عمرها سبعمائة عام في المكتبة البريطانية اشتريت من السامريين في القرن التاسع عشر. وفي المواضع التي تحتوي فيها اللفائف على صلوات، يكون الرق داكنا وباليا في الأماكن التي لمسها الكاهن وهو يتلو تلك الصلوات.
حافظ السامريون بعناية على مر الأجيال على لفائفهم القديمة، التي تسجل توراة تختلف إلى حد ما عن التوراة اليهودية. في هذه الصورة الملتقطة عام 1905، يعرض كاهن سامري واحدة من هذه اللفائف للزوار المهتمين. صورة مجسمة من معرض «مشاهد لفلسطين» (1905)، معهد جيتي للأبحاث.
كان صوت الهمهمة القوي، الذي كنت قد سمعته، صادرا من جميع الذكور السامريين في القرية، الذين كانوا يرتدون جلابيب قطنية رقيقة تصل إلى أقدامهم، مجتمعين في هذه الغرفة ويتلون الصلوات، كل في وقته وبإيقاعه الخاص، مستخدمين كلمات مختلفة، دون أي تناغم. بين الحين والآخر كانوا يتوقفون ويسجدون على أيديهم وركبهم ويلمسون الأرض بجباههم. يغطي السامريون رءوسهم في وقت الصلاة، كما يفعل بعض اليهود المتدينين في جميع الأوقات بالكبة. كان لدى السامريين ثلاثة أنماط مختلفة من أغطية الرأس؛ قبعة صلاة بيضاء مثل تلك التي يلبسها المسلمون، وطربوش أحمر، وبيريه أسود. فضل السامريون الذين كانوا يعيشون في تل أبيب البيريه؛ إذ كانوا يتبعون الموضات الأحدث قليلا. وقد أحدث هذا التأثير تغييرا غريبا. فالسترة الصوفية التي يلبسها رجل فوق جلباب وطربوش أحمر تجعله يبدو كأنه خرج من كتاب عن الإمبراطورية العثمانية؛ أما الرجل الذي بجانبه، الذي يرتدي معطفا واقيا من المطر وبيريه، فيبدو كأنه فنان فرنسي.
يصلي السامريون صباحا ومساء مدة أسبوع قبل عيد الفصح؛ وفي أيام السبت العادية، يصلي الناس إما في البيت أو في الكنيس. وكانت الصلوات عبارة عن مقتطفات من التوراة السامرية مختلطة بقصائد دينية كتبها السامريون على مر القرون. وبدا أن معظم الناس يعرفونها عن ظهر قلب، لكن مراهقا واحدا يضع نظارة كان يقرؤها من كتاب؛ وفي الخلف، كان الأطفال الصغار أقل مشاركة، وغلب النعاس أحدهم في الزاوية، وسقط طربوشه على أحد الجانبين. طلب مني زملاؤه في المدرسة، ضاحكين، أن ألتقط صورته. كان هذا أقصى ما يمكن أن يفعله المراهقون للتمرد على الوضع. فيبدو أن عدم الحضور للصلاة على الإطلاق كان أمرا غير وارد. أخبرني أحد المراهقين، الذي كان يحرص على التحدث بين الصلوات، قليلا عن عائلته: كان لديه ابن أخ ستلطخ جبهته بدماء القربان في ذلك اليوم؛ وفقا للتقاليد، باعتباره الابن البكر لعائلة كهنوتية، وكان ابن أخ آخر يدرس علوم الكمبيوتر ويريد الخدمة في الجيش الإسرائيلي. كان الصبي يقطع قصة حياته بين الحين والآخر ليسجد مع الآخرين.
في وقت لاحق من ذلك الصباح، بعد الصلاة، تجولت في الشارع الرئيسي. وقرب نهايته كان يوجد متجر لبيع الجعة والويسكي، يديره رجل سامري يدعى جميلا. جلسنا وشربنا القهوة وتحدثنا قليلا؛ وانضم إلينا بعض الرجال الآخرون من القرية ونظروا إلى الصور التي التقطتها. سألوا بارتياب عن سبب التقاطي صورا للصبي النائم. هل كنت أحاول السخرية منهم؟ قوطعت محادثتنا عدة مرات بمكالمات هاتفية، من فلسطينيين في نابلس يطلبون طلبيات، بعدها ينطلق جميل لتجهيز بعض التوصيلات.
قال: «كان يوم أمس منهكا. كنت أعد الفطير غير المخمر للعائلة. إنها حقا عائلة كبيرة!» كان والده كاهنا، واحتلت صورة ضخمة لمراسم قربان عيد الفصح مكان الصدارة على أحد جدران المحل. سألته عن أحوال السامريين. قال: «أنا قلق بعض الشيء.» كان يوجد سلام في نابلس في الوقت الحالي، وهو أمر جيد، لكنه قد لا يدوم. «لا بد أن تبقى الأشياء كما هي. فالانتفاضة كانت سيئة لكلا الطرفين، الفلسطينيين والإسرائيليين. أما الآن فقد أصبح الوضع هادئا وآمنا. نحن بحاجة إلى نابلس؛ إذ نأتي بكل شيء من هناك، كل طعامنا.» وكان بها كذلك العديد من السامريين الذين يمتلكون متاجر وممتلكات أخرى. فقد عاش السامريون في نابلس حتى أواخر الثمانينيات، عندما أخافتهم الانتفاضة الأولى ودفعتهم إلى الانتقال إلى قريتهم المنفصلة.
كثيرا ما كان ياسر عرفات يتباهى بأن السامريين عوملوا معاملة طيبة في ظل الحكم الفلسطيني، مما يشير إلى أنها قد تكون مقدمة للسيادة الفلسطينية على الضفة الغربية، التي ستكون في الوقت ذاته مفتوحة لليهود. وأنشأ مقعدا مخصصا للسامريين في البرلمان الفلسطيني. فاز والد جميل في الانتخابات اللاحقة، في الغالب بسبب أصوات المسلمين؛ فقد كان معروفا في نابلس، حيث أكسبه متجر الجعة والويسكي الذي يمتلكه العديد من الأصدقاء.
كان والد جميل متمسكا بتقاليد السامريين العريقة المتمثلة في تقديم النصح للحكام المسلمين. وعلى الرغم من أن المجتمع في القرون الماضية كان ضعيفا ومحروما بشكل جماعي، فإنه غالبا ما كان أفراده يفضلون على غيرهم لشغل مناصب حساسة؛ لأنهم لم يكونوا يتدخلون في المنافسات القبلية القاتلة التي أدت إلى انقسام المسلمين المحليين. ومع ذلك، يمكن أن تجعل هذه المنافسات الناصح السامري عرضة للخطر. كان رجل يدعى يعقوب الشلبي سامريا غير عادي: أظهر حبا مبكرا للمال والمغامرة، حيث قبل المال من أحد المبشرين لينزل في بئر يعقوب ويستعيد الكتاب المقدس الذي أسقطه أحد الزائرين. ولاحقا سافر إلى إنجلترا (فعل ذلك مخالفا، على الأرجح، قواعد السامريين) وكتب مذكراته في عام 1855. وسجل فيها التجارب التي خاضها عمه الأكبر بوصفه أمين خزانة لحاكم نابلس، خلال المرحلة التي استولت فيها على الحكم إحدى الجماعات المنشقة، ثم حلت أخرى محلها. تلقى هذا العم الأكبر تهديدا بالقتل، وسجن ، وحكم عليه بالإعدام؛ لكنه هرب، أو أطلق سراحه، أو منح إرجاء تنفيذ. وتمكن من أن يؤدي خدمات لكل من العائلات المتحاربة المتنافسة تباعا. لقد نجا، لكن شعره شاب قبل الأوان.
Halaman tidak diketahui