Waris Kerajaan Terlupakan
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genre-genre
وعلى الرغم من أن الحكومات أصبحت قوية بما يكفي لسحق الأقليات المزعجة، يتردد بعضها في إنفاق رأس المال السياسي والمجازفة بمواجهة أوسع نطاقا جراء حماية الطوائف الصغيرة من الاعتداءات. ففي جنوب مصر، إذا واجهت عائلة قبطية قبيلة مسلمة، فستخسر المواجهة؛ سواء كانت على المال، أو الأرض، أو «الشرف» (فعلاقات الحب، كما هو موضح في الفصل السادس، هي بخاصة سبب متكرر للصدام). وبعض الطوائف القبطية كبيرة وصعبة المراس بما يكفي لقلب الأمور رأسا على عقب. وتلك هي الطوائف التي لا تعتمد على الشرطة والقضاء لحمايتها؛ ولكن حتى تلك المؤسسات، التي غالبا ما تفتقر إلى السلطة الأخلاقية، قد تخشى القبيلة المختصمة، وتفضل عدم معاقبتها. هذه ليست مسألة دينية فحسب. وغالبا ما تعاني الأقليات العرقية من المشكلة ذاتها. ومع ذلك، فقد أصبحت الأقليات الدينية في الشرق الأوسط في القرن العشرين لا تنتمي لمجتمع قبلي، وحضرية، ومن الطبقة الوسطى، مما يعني أنها الآن في وضع جيد للاستفادة من الاستقرار والنمو الاقتصادي، ولكنها عادة أيضا ليست منظمة تنظيما كافيا للدفاع عن نفسها، ومن ثم تصبح مستضعفة، وبخاصة في أوقات الصراع.
أخيرا، أحدثت العقود القليلة الماضية تغييرا في سلوك بعض المسلمين في الشرق الأوسط تجاه الديانات الأخرى، وتجاه التفسيرات المنافسة للإسلام ذاته. ففي مصر، شهدت السنوات الخمسون الماضية عنفا ضد الأقباط أكثر بكثير من الخمسين عاما التي سبقتها. وفي باكستان، الدولة التي أسسها مسلم شيعي، أصبح العنف ضد الشيعة شائعا. والعراق، البلد الذي حكمه في خمسينيات القرن الماضي رجل من أسلاف مختلطين، من الشيعة والسنة، أصبح الآن في دوامة من العنف الطائفي. ويؤدي الضعف وقابلية التعرض للهجوم إلى الانغلاق الذهني؛ الذي، بدوره، يعوق المجتمعات. فالغضب والكراهية تجاه الدخلاء يقويان الهوية الطائفية للجماعة، وربما يرضيان حاجة بشرية فطرية في رفقة لمواجهة أي تهديد خارجي، وقد يغرسهما قادة الجماعة باعتبارهما وسيلة لتقوية شعور الجماعة بالهوية والولاء المتبادل. لا توجد طريقة أسرع لتعزيز الشعور بهوية الجماعة من الإشارة إلى عدو مشترك شرير وقوي، ومع ذلك يمكن هزيمته؛ ليصبح الأمر مثل داود الذي يهزم جالوت. وفي الشرق الأوسط، مثل هذا الغضب والكراهية - اللذين يتصاعدان أحيانا ويتحولان إلى عنف وفي أحيان أخرى يضطرمان دون أن يلاحظهما أحد، ويستمران في الوجود من خلال الدعاية الخبيثة - يكونان أيضا نتاج ظروف معينة. لقد تراجع المنافسان العلمانيان للإسلام السياسي من القرن العشرين، الشيوعية، والقومية. وفي زمان هذه الأيديولوجيات، بدت جميعها وكأنها تتيح فرصا للشعوب في الشرق الأوسط لاستعادة الكرامة والقوة اللتين شعرت أنها تستحقهما، واللتين شعرت أن عوامل مثل الاستعمار الأوروبي، والهيمنة الأمريكية، والقوة العسكرية الإسرائيلية، وضعف الحكومات العربية وفسادها كانت تحرمها منهما. توقفت دعوة الشيوعية وتمويلها الخارجي عندما انهار الاتحاد السوفييتي؛ وتراجعت شعبية القومية منذ نهاية الكفاح المقاوم للاستعمار في أوائل القرن العشرين. وقدمت كلتا الحركتين للأقليات قضية يمكنها من خلالها الوقوف جنبا إلى جنب مع المسلمين. ومع اضمحلال الحركات القومية إلى مرحلة ما بعد الاستعمار، أصبح استغلال الانقسامات الدينية أسهل. وتراجعت فكرة أن العراق، أو مصر، دولة لجميع مواطنيها، لدى بعض المسلمين، وحلت محلها الفكرة القديمة القائلة بأن المجتمع الطبيعي هو المجتمع القائم على الدين. كما كتبت سها رسام في كتابها «المسيحية في العراق»: «كل الأقليات ... أصبحت هشة في ظل غياب هوية عراقية موحدة للناس تحت رايتها.»
عززت محاولات خارجية من قبل الغرب المسيحي، الذي جرت علمنته، للتدخل في الشرق الأوسط، من هذا التوتر الديني؛ لا سيما عندما لم يخدم ذلك التدخل بشكل واضح جدا مصالح شعوب الشرق الأوسط. كتب آرثر بلفور في عام 1919 عن المخطط البريطاني لتأسيس وطن قومي لليهود فيما كان يعرف آنذاك باسم فلسطين: «نحن لا نقترح حتى إجراء أي شكل من أشكال التشاور مع رغبات السكان الحاليين للبلاد.» لم يتغير هذا الموقف تغيرا كبيرا، كما أظهرت خطط التحالف غير المدروسة بعناية لعراق ما بعد الحرب (بما في ذلك الإخفاق في حماية التراث الأثري الثمين للبلاد) في عام 2003.
وكذلك لا تتمتع مؤسسات الدولة في كثير من الأحيان بالسلطة الأخلاقية التي قد تساعدها في مواجهة المتطرفين دون اللجوء إلى استخدام القوة. فالمؤسسات الدينية ورجال الدين المدعومون من الدولة قد فقدوا مصداقيتهم في أعين بعض المسلمين؛ بسبب افتراض أنهم نالوا الحظوة والمال مقابل الانصياع للحكومة. ويمكن للمتطرفين استغلال ذلك بتقديم أنفسهم باعتبارهم بدائل أكثر جرأة وأقل فسادا. وتفضل الحكومات غالبا، عند مواجهة المتطرفين الدينيين الأكثر شعبية منها، أن تشتري صمت المتطرفين بدلا من أن تواجههم.
عادة ما كانت العملة التي يشترى بها صمت المتطرفين الدينيين هي فرصة جعل الأجيال القادمة متطرفة من خلال نظام التعليم. وقد نجح الإسلاميون في تحقيق ذلك في سبعينيات القرن الماضي، عندما كان ينظر إليهم (بما في ذلك من قبل إسرائيل والغرب) على أنهم ترياق قيم لسموم الشيوعية والقومية المتطرفة، وقد استفادوا في ذلك الوقت من حقيقة أن ثروة النفط والغاز قد أثرت مجتمعات الشرق الأوسط الأشد تحفظا. ففي مصر، استخدموا نفوذهم على مدى السنوات الأربعين الماضية لجعل قوانين البلاد إسلامية بصورة أكثر صراحة. خلق هذا بيئة تشعر فيها الأقليات بأنها غير مرغوب فيها؛ كما قال لي مسيحي مصري: «إذا كان الدستور يجعل الشريعة الإسلامية «مصدر التشريع»، فإنني أشعر بالتهميش.» تستخدم بعض الجماعات الإسلامية العنف، أيضا؛ عادة لدوافع سياسية، وليس فقط من أجل الحث على الاهتداء إلى الإسلام. ففي الثمانينيات استهدف الإسلاميون المصريون المسيحيين ليس فقط كوسيلة لفرض عمليات التحول إلى الإسلام وإزالة إحدى العقبات في طريق التجانس الديني، ولكن أيضا كوسيلة للضغط على الحكومة. وبعد سقوط حكومة الإخوان المسلمين في مصر عام 2013، وانتقاما لذلك، أحرقت مجموعات متطرفة من الشباب عشرات الكنائس.
في الوقت ذاته، من المهم عدم المبالغة. فيوجد الكثير من حالات حماية المسلمين للمسيحيين في مصر، وفي لبنان - حيث انتهت حرب أهلية مروعة قبل نحو عشرين عاما فقط - تشير استطلاعات الرأي إلى أن التسامح الديني أعلى مما هو عليه في العديد من البلدان الأوروبية. والتقدم الذي جلبه القرن العشرون صوب المساواة الدينية في الشرق الأوسط لم يحدث التراجع عنه كليا؛ فحتى آية الله الخميني لم يتماد إلى حد استعادة قوانين العقوبات القديمة التي اضطهدت غير المسلمين في إيران في القرن التاسع عشر. لكن شعور الأقليات بعدم المحبة يتفاقم. والهجرة من الشرق الأوسط أسهل على الأقليات من أي وقت مضى؛ لأنها استخدمت القرن الماضي أو نحو ذلك لتثقيف وإثراء نفسها، وتجد عموما أن الهجرة إلى أستراليا، أو كندا، أو الولايات المتحدة، أو أوروبا أمرا ميسورا. لذا فإن احتمالية أن بعض هذه الديانات سوف يتضاءل أو حتى يختفي من أوطانه هو احتمال خطير. لن يخسر أحد من هذا أكثر من مسلمي الشرق الأوسط، الذين آمل لذلك أن يرحبوا بهذا الكتاب، الذي يحاول إحياء ذكرى المعتقدات المتنوعة التي جلبها أسلافهم إلى العالم.
تبقى قول شيء واحد، وهو حول الإيمان. فقد رفضت الطوائف الوارد ذكرها في هذا الكتاب كل تحريض للتخلي عن معتقداتها وعاداتها الدينية، وكثيرا ما تحملت الإهانة أو العنف من أجل الحفاظ عليها. وفي بعض الحالات، تكون هذه العادات الدينية في حد ذاتها صعبة للغاية، كما في حالة الأقباط الذين يصومون معظم أيام السنة، أو بالتأكيد في حالة المسلمين خلال شهر رمضان. إذا كان الناس في الشرق الأوسط يتقاتلون حول معتقداتهم أكثر مما يفعل الأوروبيون والأمريكيون، فذلك يرجع جزئيا إلى أن هذه المعتقدات عزيزة جدا عليهم. وفي حين أن التقاتل أمر يجب وقفه، فإن الروح الدينية التي تحفزه قد تملك شيئا أكثر جاذبية لتقدمه. لذا ربما تحثنا الفصول التالية على التفكير في الآتي: إلى جانب جميع الدروس التي يريد الغرب تدريسها لشعوب الشرق الأوسط، هل يوجد ما نتعلمه منهم؟ •••
لقد اخترت في الكتاب أن أستخدم الأسماء الحديثة لدول الشرق الأوسط، حتى عند الإشارة إلى الماضي البعيد. لذلك عندما أقول إن شيئا ما حدث في «لبنان» منذ ألف عام - في وقت لم يكن فيه وجود لهذا البلد - فأنا ببساطة أعني أنه حدث في مكان داخل ما يسمى حاليا بلبنان. وهذا لمجرد سهولة التناول. واستخدمت أيضا «ميلادية» و«قبل الميلاد» بدلا من «الحقبة العامة» و «ما قبل الحقبة العامة» لأنه، في منطقة لكل طائفة فيها تقويمها الخاص، لا يوجد حتى الآن شيء يسمى «الحقبة العامة». على سبيل المثال، هذه السنة هي 2014 ميلادية. وفي التقويم السامري هي 3652، محسوبة من يوم دخول بني إسرائيل أرض الميعاد، وفي التقويم الهجري الإسلامي هي 1435، محسوبة من هجرة محمد إلى المدينة المنورة، وفي التقويم الزرادشتي هي 1383، محسوبة من يوم تتويج آخر ملك زرادشتي. وبالنظر إلى هذا العدد الكبير من أنظمة التأريخ المختلفة، يبدو أكثر صدقا قول إن سنة 2014 هي سنة محسوبة وفقا للنظام المسيحي الأوروبي.
ومن هذا المنطلق، أود أن أوضح أن هذا الكتاب هو سلسلة من التحقيقات الشخصية وغير الرسمية. وهي بالضرورة غير موضوعية وانتقائية، مصطبغة بصبغة اهتماماتي الخاصة وبالمواجهات والمشاهد التي اخترت تصويرها. فمنظوري الخاص هو منظور شخص أمريكي-بريطاني من الروم الكاثوليك يتحدث اللغة العربية والفارسية. ومثل أعضاء الديانات الأخرى الموصوفة هنا، فإنني أنتمي أيضا إلى ثقافة في طور التحول، والمنتمون إليها آخذون في التخلي عن عاداتها وتقاليدها القديمة. توجد طرق أخرى للنظر إلى هذه الطوائف، وقصص أخرى قد تلقي ضوءا مختلفا عليها، وتفسيرات أخرى لتاريخها. ويجب على أي شخص يريد إلقاء نظرة أكثر شمولا على أي من هذه الطوائف قراءة كتب معينة مدرجة في قسم «المصادر والقراءات الإضافية». وفي محاولتي لتأليف هذا الكتاب اعتمادا على أربع سنوات فقط من البحث وعشر سنوات من الترحال في الشرق الأوسط، أبهرني تفاني شخصية مثل إي إس دراور، التي قضت حياتها كلها في دراسة المندائيين. لا يمكنني أبدا أن أباريها في معرفتها أو معرفة العديد من الخبراء الذين كانوا لطفاء بما يكفي لمساعدتي في هذا الكتاب. لقد ذكرت أسماءهم وشكرتهم في قسم «المصادر والقراءات الإضافية».
وعلى ذكر دراور، وكذلك البيروني ومعاصريه في العصور الوسطى، يحضرني الثناء الذي حظي به السير ويليام جونز، مقترح فكرة أن اللغات الأوروبية والهندية لها مصدر مشترك واحد. وقد علق الخبير الاقتصادي السياسي جيمس أندرسون على هذا الأمر بما يلي: «طوبى لصانعي السلام، الذين ينحون من خلال أبحاث مضنية إلى إزالة تلك الأقنعة المدمرة التي أخفت الجنس البشري بعضه عن بعض مدة طويلة.» لا يمكنني نسب أي فضل لنفسي على إنجاز أي شيء مهم جدا؛ ولكن على الأقل هذا الكتاب يمكن أن يذكر الناس بجهد أولئك الذين أنجزوا أشياء بالغة الأهمية. •••
Halaman tidak diketahui