فقال الثاني ساخطا: إذن كيف تقدم على ارتكاب هذه الجناية يا حمار وأنت متعهد بواجبات نحو فتاة تحبها وتطمع بحبها وقد غررت بها؟ كان أحرى بك أن تدعها في البحر تغرق من أن تعرضها لفضيحة عتيدة. لا ريب أنك مجنون. لا أفهم لماذا ترمي قنبلة على مصطفى باشا كمال. هل لك من ثأر عليه؟
فتمرمر الأول وقال: كلا البتة. دعنا من هذا الحديث يا صاح دعنا! - كيف أدعك يا بغل. لا أنت مكلف من قبل جمعية فدائية، ولا أنت شريك مؤتمرين في مؤامرة، ولا لك ثأر على مصطفى باشا، وأنت عاشق ومعشوق وكنت على وشك الحصول على حب حبيبتك. فلماذا إذن ترتكب الجناية يا جاهل؟ - اسكت يا هذا، اسكت، كل هذا الذي تراه من التناقض سببه الحب. إن سلطان الحب ظالم غشوم. - لا أفهم معنى هذه السخافة. - طبعا لا تفهم. لا تفهم كيف الحب يحكم؟ وكيف العاشق يحب أن يطيع؟ الحب كالنوم المغناطيسي. - أظن حبيبتك غررت بك. فأحرجتك لارتكاب هذه الجناية. لعل لها ثأرا على مصطفى كمال.
فقاطعه الأول مضطربا وقال: لا لا لا. دعنا من هذا الحديث. لقد أخطأت في أن رويت لك قصة كهذه. دعنا من هذا الحديث يا سيدي.
وجعل يثور تغيظا ويهيج تغضبا، فكان تارة ينحب وأخرى يغضب. فسكت الثاني صابرا. وبعد برهة طويلة قال الثاني: خطر لي خاطر يا صاحبي: إذا كنت تؤكد للمحقق أني لست شريكك في الجناية ولا تعرفني ولا أعرفك، فأنا أسعى لمقابلة حبيبتك من قبلك وأخدمها وأقدم لها حاجتها، ونسعى كلانا فى إنقاذك.
فضحك الأول في إبان حزنه وغمه وقال: أما أني أؤكد لهم أنك لست شريكي في الجناية فهذا سأفعله بلا قيد وشرط ولا تمنين؛ لأني إذا أقسمت على ذلك لا أكون كاذبا. وأما أنك تذهب إليها من قبلي فهذا هو الرأي الأخرق الذي يدفعها ثانية إلى البحر. فلا تتعب نفسك يا صاح. •••
بعد حين استدعاهما المستنطق. وكان أول ما فعله السجين الأول أن أقسم أن الثاني ليس شريكه في الجناية. فأطلق المستنطق سراحه. وأعاد الكرة في الاستنطاق على الأول، فعاد إلى خطته الأولى من حيث التكتم عن سبب ارتكابه الجناية. فردوه إلى السجن.
لا بد أن يكون القارئ قد أدرك أن السجين الثاني هو أمل الدين أو رجاء باشا، وكان سجنه حيلة لاستخراج الحقائق من ضمير رامي القنبلة، وأن الفتاة هي نميقة بنت البرنس سناء الدين. وهنا يسائل القارئ نفسه: إن صح أن الفتاة أحرجت هذا الرجل أو غررت به ليقتل الغازي كما ظن رجاء، فما السبب يا ترى؟ سترى.
الفصل الثالث عشر
حرب سياسية في المجلس الوطني
كان الغازي مصطفى باشا كمال منهمكا شديد الانهماك بمقابلة بعض رجال حزبه، وغيرهم ممن يأخذون منه التعليمات ويعطونه المعلومات عن أفكار النواب الذين يوافقون على المشروع، والذين يعارضونه، والذين يريدون تعديله، والذين يتقلبون مع الأهواء أو يتذبذبون إلى غير ذلك. وقد أصبح مشروع إلغاء الخلافة وطرد آل عثمان حديث جميع النواب وغيرهم من رجال السياسة في أنقرة وفي أزمير وفي الآستانة، وتضاربت الأقاويل والإشاعات.
Halaman tidak diketahui