فقال السجين الثاني: لله درك من داهية في سياسة الحب!
فقال الأول: بالطبع يا صاح. لا أقدر أن أكسب فتاة طاهرة كهذه ما لم أكسب قلبها أولا. ولا أقدر أن أكسب قلبها إلا من طريق التضحية لأجلها. بعد مناقشة طويلة بهذا الموضوع سلمت بتنفيذه كما اقترحته. وفي منتصف الليل كنت في البحر عند الصخور أسبح مبعثرا بعض ملابسها الممزقة هنا وهنالك. ثم عدت بسلام معتقدا أني قد ملكت ذلك الملاك الطاهر. وفي اليوم التالي استأجرت لها منزلا صغيرا في مكان بعيد عن الشبهة، وأخذتها إليه في السهرة، وهي ادعت لمن يراني أتردد إليها أني أخوها. ومنذ ذلك الحين هي صارت شخصا جديدا وأنا صرت شخصا جديدا أيضا.
فقال الثاني، مهتما بالتساؤل: وماذا كان من أمر أهلها؟ أما عرفت؟ أما قرأت في الجرائد؟ - لم أعرف شيئا ولم أقرأ شيئا؛ لأني كنت كل الوقت منهمكا بتدبير أمورها.
فقال الثاني وهو قلق، كأنه يريد أن يعرف النتيجة: وفزت أخيرا بحبها إذن؟ - نعم، شرعت أكسب رضاءها؛ لأنها وطنت النفس على أن تعيش متناسية ذويها ومجددة حياتها، وصارت عشرتها أنيسة أكثر من الأول.
فقال الثاني ملحاحا: إذن ظفرت أخيرا بقلبها، هل أحبتك؟ - صه يا هذا. لما أوشكت أن أنال عطفها ورضاها حدث هذا الحادث المشئوم الذي قذف بي إلى السجن.
فتنهد الثاني وقال متلعثما: إذن لم تساكنها. - لا، بقيت بعيدا عنها أزورها في المواعيد التي عينتها لي في عصارى النهار. وأحيانا كنت أخرج معها مساء لنزهة ثم نعود في أول السهرة، فأودعها عند الباب وداع الأخ للأخت وأعود.
فقال الثاني وصوته يتهدج قليلا: إذن لقد كنت كالأخ الأمين لها. كسبت محبة الأخت منها ليس أكثر. - بل كدت أكسب محبة العشيقة لولا هذه المحنة. بل أقدر أن أقول: إني كسبت محبتها تماما ولكن ...
وهنا أجهش السجين الأول وقال: آه. لا أدري كيف حالها الآن؟ لقد تركتها وليس معها إلا نفقة شهر، وهي ممن يقلقون للمستقبل. - قلت: معها خاتم وسوارين فتستعين بهما. - أظنها لا تجسر أن تبيعهما مخافة أن ينما عن شخصيتها.
فقال الثاني مؤنبا: أتكون عاشقا ملاكا كريما كهذه ثم ترتكب جناية كهذه؟ ما هذا الطيش؟ إن عاشقا مثلك يجب أن يكون حذورا جدا لا يعرض بنفسه للتهلكة حرصا على راحة عشيقته.
فجعل السجين الأول ينتفض غيظا ولم يتكلم كلمة، بل كان يجهش بالبكاء كالطفل. وبعد هنيهة قال الثاني: أستغرب أنك تفعل هذه الفعلة وأنت عاشق، ثم تصر على إنكار رفاقك، على أن الإقرار يفيدك إذ يعفى عنك ويطلق سراحك. - والله يا سيدي لا رفاق لي ولا أنا مدفوع من أحد. - ولا جمعية فوضوية؟ ولا مؤامرة سرية؟ إذا كان ثمة شيء من ذلك فأخبرني لعلي أستطيع أن أبدي لك رأيا مفيدا تجهله. - والله وتالله وبالله لا مؤامرة ولا جمعية سرية ولا فوضوية ولا أنا من هذه الفئة من الناس. - لعلك تخاف انتقام شركائك. - لا لا. ألا تفهم ما أقوله لك بصراحة أن لا شركاء لي، ولا أخاف انتقاما! وهل أنا في خطر منهم أكثر مني الآن وأنا في قبضة الحكومة؟ قد يمكن أن أفر من وجه نقمتهم إذا خرجت من السجن، وأما من السجن فلا أستطيع الفرار. - والحكومة تحميك من نقمتهم، وأقل ما تفعله أنها تسهل لك طريق الفرار منهم إلى بلاد أمينة. - أنا أعلم ذلك جيدا، ولهذا ما كنت أسكت عن الإقرار لو كان لي شركاء أو كنت عضوا في جمعية فدائية.
Halaman tidak diketahui