ليست الصعوبة - التي تعترض الكاتب أو الشاعر - في أن يكتب أو ينظم في أي موضوع شاء؛ بل الصعوبة كلها في أن يقول ما يعنيه بالضبط في هذا الموضوع.
هكذا يقول بعض كتاب الإنجليز وأساطين مدرسي الإنشاء، وقد استشهدنا بهذا القول في مقدمة ديوان ابن الرومي حين عرضنا للكلام على دقته التي امتاز بها في شعره، كما استشهدنا بقول الشاعر العربي:
وفضلني في القول والشعر أنني
أقول على علم، وأعلم ما أعني
وهذه هي الغاية الجليلة التي يجب أن يفوق إليها كل رام سهامه ويجعلها نصب عينيه وحفل أذنيه، وهي الغاية التي نريد أن نبين الطريق المؤدية إليها، تاركين الكلام إلى أساتيذ التربية، وكبار المنشئين الذين قضوا حياتهم في تدريس هذا الفن الجليل، ملخصين آراءهم حينا، ومقتبسين بعض عباراتهم حينا آخر؛ رغبة في الاختصار الذي تحتمه علينا هذه المقالات الموجزة، وإلى القارئ خلاصة هذه الآراء: (1) تمهيد
أول ما نرمي إليه بتأليف هذا الكتاب هو أن نرسم لطالب الإنشاء خطة واضحة المحجة، ونبين له منهجا يترسم خطاه؛ ليصل إلى غايته رأسا، دون أن يضيع وقته عبثا في تمارين، لا نقول: إنها عديمة الفائدة فحسب، بل إنها - على الحقيقة - عائق يقف حجر عثرة في طريقه، ويحول دون نجاحه في الكتابة الصحيحة التي ينشدها.
أما التمارين التي نعنيها بهذا النقد فهي تمارين الإعراب، وتصريف الكلمات، وحل الجمل حلا لفظيا لا طائل تحته، فهذه - في نظرنا - وسيلة عقيمة بينة الخطل محققة الفشل، وهي كالمستنقع الضحضاح المملوء بالوحل، لا يستطيع السالك أن يسبح فيه أو يمشي.
ولبعض المؤلفين ولع شديد بإرهاق النشء بما يكدسه أمامهم من القواعد النظرية التي يحاول أن يقررها في أذهانهم ويجعل منها ضابطا لا معدي للطالب عنه ولا مفر من اتباعه، وليس ذلك من همنا، فلنترك النظريات التي يستحيل اتباعها عمليا مولين وجهنا شطرا آخر؛ فنعمل على أن نثبت أقدامهم، ونمكنهم من الكتابة التي تجمع بين الرشاقة والقوة، وتكون - إلى ذلك - خالصة من الشوائب دقيقة التعبير حسنة الأداء.
وللوصول إلى هذا طريق عملية واحدة؛ هي الإكثار من التمارين الإنشائية، إلى حد قد يظنه البعض غير ضروري، أو يرى فيه إسرافا لا داعي إليه - إسرافا في الجهود وإسرافا في الزمن - ولكن سلوك هذه الطريق الطويلة ضروري لا مناص منه، وليس طول الطريق دليلا على أن الطريق الأخرى - التي هي أقصر منها - خير منها.
ألا ترى إلى طالب العود أو البيانو؟ قل لي بربك: كم عاما يقضي في سبيل غايته؟ وكم من الزمن يمر عليه حتى يصل إلى درجة الإتقان، أو - على الأصح - حتى يدنو من درجة الإتقان؟
Halaman tidak diketahui