وهبط رأس حميدو فوق صدره، فهبط من عينيه خيط طويل ساخن وانزلق من زاوية فمه يجري تحت لسانه بطعمه الملحي المألوف كماء المخلل.
ضغط فكه العلوي فوق السفلي وابتلع العلقم، لا مهرب له من الكراهية، إنها تغزوه من جميع منافذ جسده، وتدخل إليه بطعمها المملح المر من شقوق جلده وفتحات جسمه، وتتكوم في جوفه يوما بعد يوم، وسنة بعد سنة، ويصبح جوفه كقاع زلعة المش، فيملأ فمه بالدخان الأسود، ويطرد الهواء من صدره، ويبتلع الدخان وحده.
عرفت حميدة رائحة الدخان، التبغ كانت تشتريه من الدكان، لكن الرائحة هذه المرة مختلفة، ممتزجة برائحة أخرى لا تعرفها كرائحة دورة المياه بعد أن يحلق سيدها ذقنه، تناوله المنشفة بأصابعها الصغيرة، وترى عينيه في المرآة، واسعتين تشعان من البياض ومن السواد ضوءا نحاسيا أصفر.
ويستقر الضوء عليها، رغم أنها تختبئ وراء باب المطبخ، جسدها الصغير منكمش تحت جلبابها المبلل، وكتفاها غير مستويتين، الكتف اليسرى أعلى من الكتف اليمنى، وجذعها يميل ناحية اليمين، بسبب سلة الخضار الثقيلة، تشد ذراعها اليمنى إلى أسفل، وقدمها اليسرى تلمس الأسفلت الملتهب بأطراف الأصابع، والقدم اليمنى تلمسه بمؤخرة كعبها الحافي، من يراها يظن أنها عرجاء، لكن حميدة لم تكن عرجاء، كانت جائعة فحسب، فمدت يدها في السلة وتسللت أصابعها الصغيرة الرفيعة تحت الخضار حتى أحست ملمس اللحم الطري، شدت قطعة ودستها بين أسنانها قبل أن يراها أحد.
أسنان حميدة صغيرة بيضاء لكنها حادة، تقطع اللحم النيئ وتهرس العظم، أسنان بدائية نبتت فوق فكيها منذ قرون، قبل أن تخترع الشوك والسكاكين وغيرها من الأجهزة الحديثة (بسبب هذه الأجهزة فقدت أسنان سيدها قوتها وأصيبت لثته بمرض البيوريا)، وعيناها أيضا بدائيتان قويتان، تريان الأشياء من على بعد، وأذناها قادرتان على التقاط أي صوت مهما بعد (أذنا سيدها فقدتا أيضا هذه القدرة بسبب اكتشاف المخابرات للأجهزة السمعية الحديثة).
وسمعت حميدة صوتا، فرفعت عينيها إلى فوق، ورأت رأس سيدتها يطل من النافذة المزركشة في العمارة العالية، بسبب الارتفاع الشاهق كان رأس سيدتها بحجم رأس الدبوس، لكن حميدة رأته بوضوح، ولمحت العضلة السمينة المكتظة باللحم تتقلص تحت فتحتي الأنف الواسعتين نبت فيهما ومن حولهما الشعر، أدركت من اهتزاز الشعر أن سيدتها شمت رائحة اللحم المهروس تحت ضروسها، أنكرت بطبيعة الحال، لكن قطعة لحم صغيرة كانت لسوء حظها قد انحشرت بين ضرسين، شدتها من بينهما أصابع سيدتها البضة بالملقاط، ووضعتها فوق كفها تحت أشعة الشمس وارتدت نظارتها الطبية وفحصتها.
لم تضربها سيدتها هذا اليوم، حدثت مشادة بين سيدها وسيدتها بعد الغداء الدسم، انتهت بالاتفاق على مبدأ مساواة المرأة بالرجل في الإشراف على الخدم، وأصبح على سيدها أن يقوم بعملية الضرب هذه المرة.
رقدت حميدة على أرض المطبخ، سمعت وقع القدمين الكبيرتين، أغمضت عينيها وانتظرت، أحست الأصابع الطويلة ذات الأظافر المشذبة ترفع عنها الجلباب المبلل، تعرت ساقاها الصغيرتان وفخذاها وردفاها حتى منتصف الظهر والبطن، حملقت العينان الصفراوان في البطن لامعتين بضوء نحاسي، سقط الضوء الأصفر على البطن، بطن مشدود، عضلاته تنقبض بقوة، يهبط إلى فخذين بدائيتين، قادرتين على الحركة في أي اتجاه، وبكل قوة تقاومان وترفسان، واندفعت قدمها الصغيرة في بطنه العالي المترهل ذي الثنيات الطويلة، أمسك قدمها في يده الكبيرة، وأدرك لأول مرة شكل قدم المرأة، فالقدم لها أصابع، خمسة أصابع ينفصل كل أصبع عن الآخر، قدم سيدتها لم يكن لها أصابع، إذ إن أصابعها التصقت بعضها البعض في كتلة لحمية طرية كخف الجمل.
وزحفت يداه فوق الساقين، وأحس حركة العضلات القوية تحت كفه، تنقبض وتنبسط، عضلات سيدتها لم تكن لها حركة، خامدة، ساكتة، تغوص فيها أصابعه بغير مقاومة كما تغوص في كيس من القطن (كان ذلك طبيعيا بسبب موت سيدتها السابق في حجرة النوم).
بهرته حركة اللحم الحي، كخنزير يخرج فجأة من خرابة عاش فيها سنوات على الرمم وأطراف الجثث، انتفض بالنشوة فسقطت عنه ملابسه، ولامس جسده الساخن البلاط البارد المبلل بماء المسح، تقلصت عضلاته المرتخية المترهلة وسرى في عموده الفقري تيار كهربي، دبت الحياة في حواسه الخمس وبدأ أنفه المرتعش بفتحتيه الواسعتين يختلس من تحت الحوض رائحة القمامة، جذب بكل قوته شهيقا عميقا وملأ صدره بالرائحة النتنة، سرت الرائحة في جسده وسرت معها ذكرى قديمة منذ الطفولة لأول لذة جنسية.
Halaman tidak diketahui