قال الإمام المهدي أحمد بن يحيى ﵇ في كتابه (غايات الأفكار) ويدل على هذا القول ظاهر سمعية كثيرة، وأن النفوس تخرج بالموت وأنها مقبوضة وأنه يصعد أو يهبط بها، قال تعالى: (وَلا تَحسَبنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلَ اللَهِ أَمواتًا بَل أَحياء) وأخباره ﷺ وآله وسلم أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تأوي إلى سدرة المنتهى. وقوله ﷺ في ما أخرجه الشريف السيلقي: رفرف روحه فوق النعش وهو ينادي: يا أهلي ويا ولدي. وقوله ﷺ يوم بدر في أهل ليب: ما أنتم بأسمع منهم. قال ﵇ وهكذا الصور الموجودة من الأنبياء ليلة المعراج، لكن قال هل ملك الموت يقبض تلك الجملة حية أم ميتة ويحتمل والأقرب الأول ومن الأدلة القرآنية قوله تعالى: (ياأَيَتُها النَفسُ المُطمَئِنَة اِرجِعي إِلى رَبِكِ) الآية، وقوله تعالى: (كُلُ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوت) والذائق لا بد أن يبقى بعد المذق. وقوله تعالى: (كَلا إِذا بَلَغَتِ التَراقي وَقيلَ مَن راق) الآية وهو نص في بقاء الأرواح وشوقها إلى الله يومئذ. وقوله تعالى: (فَلولا إذا بَلغَتِ الحُلقوم) وقوله تعالى: (يا ليتَ قومي يَعلَمون بِما غَفَرَ لي رَبي) والقول لا يصح إلا من حي. ومن السنة النبوية ما جاء من أنه إذا ورد على الأموات ميت من الأحياء التقوا وتحدثوا وتساءلوا وأن الله تعالى وكل بها ملائكة تعرض عليها أعمال الأحياء حتى عرضوا على الأموات ما يعاقب به الأحياء في الدنيا من أجل الذنوب كان عذرا لله ظاهرا عند الأموات فإنه لا أحد أحب إليه العذر من الله تعالى. وفي الخبر عنه صلى الله عليه وآله تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس على الله وعلى الأنبياء والآباء والأمهات، ويوم الجمعة فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم وتشرف به فاتقوا الله ولا تؤذوا موتاكم. وفي خبر آخر إن أعمالكم تعرض على عشائركم وأقاربكم من الموتى فإن كان حسنا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا.
قال بدر الدين الزركشي في (تشنيف السامع) وقد دل من جهة العقل أن النفس بمثابة الساكن في دار، وإذا خرجت الدار لم يلزم موت الساكن فيها وهذا معلوم بالضرورة وإنما جاءت الشبهة من الاعتقاد أنها سارية في البدن، فسبق حينئذ الوهم إلى موتها بموت البدن. ونحن نقول: إنما هي جوهر مجرد ليس بينها وبين الجسد مناسبة إلا من جهة الخير وذلك لا يقتضي عدم الجوهر ولا تغير حاله، ولأنها لو ماتت بموت البدن لضعفت بضعفه واختلت باختلاله، واللازم منتف والملزوم مثله ولم يخالف فيه إلا الفلاسفة بناء على إنكارهم المعاد الجسماني، ومن اعترف بالمعاد لزمه القول ببقاء النفس.
قال الإمام في (المعالم): وطريقنا فيه إطباق الأنبياء عليه ونجري معهم بالإقناعات العقلية، فإن عندهم الرياضة الشديدة تلوح للنفس الأنوار وينكشف لهم بالعيان مع أنه يضعف البدن جدا، وكل ما كان ضعف البدن أكد كانت قوة النفس أكمل فوجب عقلا بقاؤها بعد فناء البدن انتهى.
قلت: وإلى ذلك أشار البختي بقوله:
مااِستَقامَت قَناتُ رأيي إِلاَّ ... بَعدَ أَن قَوسَ المَشيبُ قَناتَي
ومن الأدلة العقلية أيضا على قيام النفس بذاتها، أنها تنتقل من تصور صورة ما معقولة إلى أخرى، فلا يخلو فيه أن يكون ذلك للنفس أو للجسم أو لهما جميعا، ولا يجوز أن يكون ذلك للجسم لأن الصورة إذا حلت في الجسم انفعل بحلولها فيه وقد بين أن الجسم بذاته لا يلبس صورة ويخلع أخرى، إذ الشيء الواحد لا يكون فاعلا ومنفعلا في حال واحد، ولا اتصاله أيضا بالشركة مع غيره لتلك العلة، فإذا بقي القسم الثالث وهو أنه فعل للنفس فقط، فإذا كانت النفس تستغني في إدراك مدركاتها عن الجسد فهي إذا قائمة بذاتها والله أعلم.
1 / 9