The Quranic Discourse to the People of the Book and Their Attitude Towards It: Past and Present
الخطاب القرآني لأهل الكتاب وموقفهم منه قديما وحديثا
Genre-genre
حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ (١).
وقال تعالى عن اليهود: ﴿وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ (٢).
فهذه الآية الكريمة تتحدث أن أهل الكتاب نسوا حظًا مما ذكروا به من الأوامر التي أمرهم الله بها من عهده وميثاقه، فحل بهم عقاب الله، وأغرى بعضهم ببعض، وألقى العدواة والبغضاء بينهم، وأما النسيان الذي حصل من أهل الكتاب فهو نسيانهم لعقيدة التوحيد، وهي أساس الانحراف الذي فرقهم ومزقهم قديمًا وحديثًا، وأوقع بينهم الخلاف والشقاق.
فعلى سبيل المثال فقد ذكر سيد قطب أنه قد وقع بين النصارى من الخلاف والشقاق والعداوة والبغضاء في التاريخ القديم والحديث مصداق ما قصه الله سبحانه في كتابه الصادق الكريم؛ وسال من دمائهم على أيدي بعضهم البعض ما لم يسل من حروبهم مع غيرهم في التاريخ كله، وهي ماضية إلى يوم القيامة كما قال أصدق القائلين، جزاء على نقضهم ميثاقهم، ونسيانهم حظا مما ذكروا به من عهد الله، وأول بند نقضوه ونسوه هو بند التوحيد، الذي انحرفوا عنه بعد فترة من وفاة المسيح ﵇ (٣).
والإغراء: مأخوذ من شدة التهيج والتحريش بين بعضهم البعض بالعداوة والبغضاء وشدة الاختلاف (٤).
قال ابن عاشور: وأما حقيقة الإغراء فهو حث أحد على فعل وتحسينه إليه حتى لا يتوانى في تحصيله؛ فاستعير الإغراء لتكوين ملازمة العداوة والبغضاء في نفوسهم أي: لزومهما لهم فيما بينهم، وقد شبه العلماء هذه العداوة والبغضاء فيهم مثل الدهن الذي يلصق بالخشب، وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم كان عقابًا في الدنيا جزاء على نكثهم العهد.
فإن قيل: كيف أُغريت بينهم العداوة، وهم لم يزالوا إلْبا على المسلمين؟
(١) سورة المائدة الآية: (١٤).
(٢) سورة المائدة الآية: (٦٤).
(٣) انظر: في ظلال القرآن، (٢/ ٨٦٠).
(٤) انظر: التبيان تفسير غريب القرآن (١/ ١٨٠)، المؤلف: شهاب الدين أحمد بن محمد الهائم المصري، الناشر: دار الصحابة للتراث بطنطا - القاهرة، الطبعة الأولى، عام ١٩٩٢ م، تحقيق: د. فتحي أنور الدابولي، أيسر التفاسير للجزائري (١/ ٦٠٧) مرجع سابق.
1 / 291