The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an
منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
Genre-genre
ويَظهر أنه يَرى أنَّ الآيَة مُحْكَمَة، وأنَّه لا نَسْخ، حَيث قَال في تَفْسِير سُورة الحج مَا نَصّه: وقَوله: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج: ٧٨] أي: بِأمْوالِكُم وألْسِنَتِكُم وأنْفُسِكم، كَمَا قَال تَعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (^١).
أمَّا في تَفسِير سُورَة التَّغَابُن فَقَد ذَكَر القَولَين، فَقَال: وقَوله تَعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) أي: جُهْدَكم وطَاقَتكم، كَمَا ثَبَت في الصَّحِيحين (^٢) عن أَبي هُريرة ﵁ قَال: قَال رَسُول الله ﷺ: إذا أمَرْتُكُم بأمْر فأتُوا مِنْه مَا اسْتَطَعْتُم، ومَا نَهَيتُكُم عَنه فاجْتَنِبُوه. وقَد قَال بَعْض الْمُفَسِّرِين ....: إنَّ هَذه الآيَة نَاسِخَة للتي في "آل عمران"، وهي قَوله تَعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (^٣) ثم ذَكَر سبب نُزُول الآيَة عن سعيد بن جبير، وأنَّ آية "آل عمران" مَنْسُوخَة بآيَة "التغابن" (^٤).
ورجّح الثعالبي عَدم النَّسْخ، فَقَال بَعْد أنْ حَكَى القَوْل بالنَّسْخ: وقَالَتْ جَمَاعَة: لا نَسْخ هُنا، وإنما الْمَعْنى: اتَّقُوا الله حَقَّ تُقاته في مَا اسْتَطَعْتُم؛ وهَذا هو الصَّحِيح (^٥).
كما نَبَّه القاسمي إلى أنَّ مَنْ زَعَم النَّسْخ لم يُصِب الْمَحَزّ، فقال: زَعَم بَعْضُهم أنَّ هَذه الْجُمْلَة مِنْ الآيَة مَنْسُوخَة بِآيَة: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) مُتأوِّلًا (حَقَّ تُقَاتِهِ) بأن يَأتي العَبْد بِكُلّ مَا يَجِب لله ويَسْتَحِقّه، قَال: وهَذا يَعْجَز العَبْد عَنْ الوَفَاء [بِه] (^٦)، فَتَحْصِيله
(^١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٠/ ٩٩). (^٢) رواه البخاري (ح ٦٨٥٨)، ومسلم (ح ١٣٣٧). (^٣) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٤/ ٢٤). (^٤) انظر: المرجع السابق، الموضع السابق. (^٥) الجواهر الحسان، مرجع سابق (١/ ٢٩٤)، (٤/ ٣٠٩). (^٦) زيادة يقتضيها السياق.
1 / 87