The Approach of Al-Qurtubi in Resolving Apparent Contradictions in Verses in His Book Al-Jami' Li-Ahkam Al-Qur'an
منهج القرطبي في دفع ما يتوهم تعارضه من الآيات في كتابه الجامع لإحكام القرآن
Genre-genre
مَا لا يُسْتَطَاع مِنْ التَّقْوى، لأنَّ اللهَ سُبْحَانَه أخْبر أنه لا يُكَلِّف نَفْسًا إلَّا وُسْعَها، والوُسْع (^١) دُون الطَّاقة، ونَظِير هَذه الآيَة قَوله: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ) [الحج: ٧٨] أمَّا الذِين قَالوا: إنّ الْمُرَاد هُو أن يُطَاع فلا يُعْصَى؛ فَهَذا صَحِيح، والذي يَصْدُر عن الإنْسَان عَلى سَبِيل السَّهْو والنِّسْيان فَغَير قَادِح فِيه، لأنَّ التَّكْليف مَرْفوع في هَذه الأوْقَات، وكَذلك قَوله: "أن يُشْكَر فلا يُكْفَر"، لأنَّ ذلك واجِب عليه عند خُطُور نِعم الله بالبَال، فأمَّا عِنْد السَّهْو فلا يَجِب، وكَذلك قَوله: "أن يُذْكَر فلا يُنْسى"، فإنَّ هَذا إنما يَجِب عِنْد الدُّعَاء والعِبَادَة، وكُلّ ذَلك مِمَّا [لا] (^٢) يُطَاق، فَلا وَجْه لِمَا ظَنُّوه أنه مَنْسُوخ.
فـ "قَوله تَعالى: (حَقَّ تُقَاتِهِ) أي: كَمَا يَجِب أن يُتّقَى، يَدُلّ عَليه قَوله تَعالى: (حَقُّ الْيَقِينِ) [الواقعة: ٩٥]، ويُقَال: هُو الرَّجُل حَقًّا" (^٣).
وذَكَرَ ابن كثير القَوْلَين، فَنَقَلَ عن جَمَاعَة "أنَّ هَذه الآيَة مَنْسُوخَة بِقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
وقَال عَلي بن أبي طَلحة عَنْ ابن عباس في قَوله تَعالى: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) قَال: لَمْ تُنْسَخ، ولَكِن (حَقَّ تُقَاتِهِ) أن يُجَاهِدُوا في سَبِيلِه حَقّ جِهَادِه، ولا تَأخُذْهم في الله لَومَة لائم، ويَقُومُوا بالقِسْط ولَو عَلى أنْفسِهم وآبَائهم وأبْنَائهم" (^٤).
(^١) في اللسان (٨/ ٣٩٢): والْوُسْع والوُسْع والسَّعة: الْجِدَة والطَّاقَة. (^٢) هكذا في المطبوع، ويظهر أنها مُقحَمة، لأنه لو كان مما لا يُستَطاع لقيل بالنسخ قبل وُقوع التكليف، وهو يُريد أنَّ ما ذَكَره مما يُستَطاع فلا وَجْه للنسخ. (^٣) التفسير الكبير، مرجع سابق (٨/ ١٤١) باختصار. (^٤) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٣/ ١٣٠) باختصار.
1 / 86