الْفَصْل الثَّانِي
فِي سَبَب جمع الحَدِيث فِي الصُّحُف وَمَا يُنَاسب ذَلِك
كَانَت الصَّحَابَة ﵃ لَا يَكْتُبُونَ عَن النَّبِي ﷺ غير الْقُرْآن أخرج مُسلم فِي صَحِيحه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَا تكْتبُوا عني وَمن كتب عني غير الْقُرْآن فليمحه وَحَدثُوا عني فَلَا حرج وَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار
قَالَ كثير من الْعلمَاء نَهَاهُم عَن كِتَابَة الحَدِيث خشيَة اخْتِلَاطه بِالْقُرْآنِ وَهَذَا لَا يُنَافِي جَوَاز كِتَابَته إِذا أَمن اللّبْس وَبِذَلِك يحصل الْجمع بَين هَذَا وَبَين قَوْله ﵊ فِي مَرضه الَّذِي توفّي فِيهِ ايتوني بِكِتَاب أكتب لكم كتابا لَا تضلوا بعده وَقَوله اكتبوا لأبي شاه وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث
وَلما توفّي النَّبِي ﵊ بَادر الصَّحَابَة إِلَى جمع مَا كتب فِي عَهده فِي مَوضِع وَاحِد وَسموا ذَلِك الْمُصحف واقتصروا على ذَلِك وَلم يتجاوزوه إِلَى كِتَابَة الحَدِيث وَجمعه فِي مَوضِع وَاحِد كَمَا فعلوا بِالْقُرْآنِ لَكِن صرفُوا هممهم إِلَى نشره بطرِيق الرِّوَايَة إِمَّا بِنَفس الْأَلْفَاظ الَّتِي سمعوها مِنْهُ ﵊ إِن بقيت فِي أذهانهم أَو بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهَا إِن غَابَتْ عَنْهُم فَإِن الْمَقْصُود بِالْحَدِيثِ هُوَ الْمَعْنى وَلَا يتَعَلَّق فِي الْغَالِب حكم بالمبنى بِخِلَاف الْقُرْآن فَإِن لألفاظه مدخلًا فِي الإعجاز فَلَا يجوز إِبْدَال لفظ مِنْهُ بِلَفْظ آخر وَلَو كَانَ مرادفا لَهُ خشيَة النسْيَان مَعَ طول الزَّمَان فَوَجَبَ أَن يُقيد بِالْكِتَابَةِ وَلَا يكْتَفى فِيهِ بِالْحِفْظِ
1 / 45