وَفِي معرفَة الْخلاف فَائِدَة لَا تنكر وَكَثِيرًا مَا يستنبط من أمعن النّظر فِيهَا قولا آخر يُوَافق كل وَاحِد من الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة من بعض الْوُجُوه وَكَثِيرًا مَا يكون أقوى من كل وَاحِد مِنْهَا وأقوم وَقد وَقع ذَلِك فِي مسَائِل لَا تحصى فِي عُلُوم شَتَّى
وَإِن كَانَت تِلْكَ الْأَقْوَال غير مُخْتَلفَة فِي الْمَآل كَانَ من توارد الْعبارَات الْمُخْتَلفَة على الشَّيْء الْوَاحِد وَفِي ذَلِك من رسوخ الْمَسْأَلَة فِي النَّفس ووضوح أمرهَا مَا لَا يكون فِي الْعبارَة الْوَاحِدَة على أَن بعض الْعبارَات رُبمَا كَانَ فِيهَا شَيْء من الْإِبْهَام أَو الْإِيهَام فيزول ذَلِك بغَيْرهَا وَقد يكون بَعْضهَا أقرب إِلَى فهم بعض الناظرين فكثيرا مَا تعرض عبارتان متحدتا الْمَعْنى لاثْنَيْنِ تكون إِحْدَاهمَا أقرب إِلَى فهم أَحدهمَا وَالْأُخْرَى أقرب إِلَى فهم الآخر وَهَذَا مشَاهد بالعيان لَا يحْتَاج إِلَى برهَان وَمن ثمَّ ترى بعض المؤلفين قد يأْتونَ بِعِبَارَة ثمَّ إِذا بدا لَهُم أَن بعض المطالعين رُبمَا لم يفهمها أَتَوا بِعِبَارَة أُخْرَى وأشاروا إِلَى ذَلِك
وَإِذا عرفت هَذَا تبين لَك أَن مثل هَؤُلَاءِ المعترضين مثل غر جال فِي الْأَسْوَاق فَصَارَ كلما رأى شَيْئا لم يشْعر بفائدته أَو لم تدع حَاجته إِلَيْهِ عد وجوده عَبَثا وسفه رَأْي عماله والراغبين فِيهِ وَكَانَ الأجدر بِهِ أَن يقبل على مَا يعنيه ويعرض عَمَّا لَا يعنيه
وَكَأن كثيرا مِنْهُم يظنّ أَن الِاعْتِرَاض على أَي وَجه كَانَ يدل على الْعلم والنباهة مَعَ انه كثيرا مَا يدل على الْجَهْل والبلاهة وَلَا نُرِيد بِمَا ذكرنَا سد بَاب الِاعْتِرَاض على المؤلفين والمؤلفات بل صد الَّذين بتعرضون لذَلِك ببادىء الرَّأْي لَا غير وَإِلَّا فالاعتراض إِذا كَانَ معقولا لَا يُنكر بل قد يحمد عَلَيْهِ صَاحبه ويشكر
1 / 44