واستخرج في تلك السنين تقاويم الكواكب وطوالع السنين وكان يهدي التقاويم التي جاد خاطره بحسابها واستخراجها إلى الأركان، ولعمري أنه من عجائب الزمان ومن لم يره لا يقبل خبره لو قيل إن في ناحية زاوية ضريرًا يقال له إبراهيم يستخرج الطوالع والتقاويم وغيرهما من الأعمال وبيني وبين ظهير الدين مباحثات مذكورة في كتاب عرائس النفائس من تصنيفي. والآن في هذه الأيام سألني عن الكلام المفصل في الكبيسة فأنشأت رسالة إليه في الكبيسة لا يحتمل الموضع بيانها، وطالعه في الجوزاء وعطارد في الجدي والمشتري في الدلو والقمر في الثور والله أعلم.
السيد الإمام زين الدين إسماعيل بن الحسن
الحسيني الجرجاني الطبيب أحيا الطب وسائر العلوم بتصانيفه اللطيفة، ورأيته بسرخس في شهور إحدى وثلاثين وخمسمائة، وقد بلغ من العلم أطوريه. وارتبطه الملك العالم العادل خوارزمشاه بن محمد بخوارزم مدة، فصنف بخوارزم الخفي العلائي والطب الملوكي وكتاب الذخيرة وكتاب الأغراض وكتاب يادكار وكتبًا أخرى في الحكمة، وكتابًا في الرد على الفلاسفة، وكتاب تدبير يوم وليلة باسم القاضي أبي سعيد الشارعي وكتاب وصيف نامه. وسارت بتصانيفه الركبان، وهي كتب مباركة. وسمعت من أثق به أنه كان لطيف المعاشرة، حسن الأخلاق، كريمًا في ذاته.
ومن فوائده رسالة له أوردتها بتمامها، وختمت بها الكتاب وهي: مالي أراك يا أخي أيدك الله وإياي بتوفيقه، شديد السكون إلى هذه الدنيا الزائلة والدار الفانية، كثير الميل إلى تربية هذا الجسد المظلم الكثيف الذي هو أجمح مركب، وأخبث مسكن للنفس، سهل (الإنقياد) لقوتيك الغضبية والشهوانية اللتين تجرك إحداها إلى السبعية والأخرى إلى البهيمية، صعب المقادة، عسر الإجابة لقوتك العاقلة التي تؤدي بك إلى جنة المأوى، وترقيك الدرجة العليا، لعلك قد انخدعت بل اغتررت بمباشرة هذه اللذات التي محلها في الحقيقة آلام وأي آلام.
أما علمت أن اللذات الدنيوية كلها في أكل الطيب، وشرب العذب، ولبس اللين، وركوب المهملج، وقهر العدو، والتمتع بالحسناء وهذه كلها حاجات متعبة، وخصوصًا للعقلاء، وضرورات مزعجة للمتيقظين من العلماء، لأن الأكل والشرب إنما هو لدفع الجوع والعطش، واللبس أيضًا لدفع ألم الحر والبرد، والركوب لمنع تعب المشي، وقهر العدو لطلب التشفي من ألم الغيظ، والنكاح إنما هو طلب لذة بدنية بمباشرة عضو حقه أن يستر ويستحيا من كشفه، وخصوصًا من الرجل الرزين العاقل الذي يكره أن يكشف عن ساعده مثلًا، ثم في تلك الحال يحتاج إلى كشف عضوه المستور وربما دعاه استلذاذه إلى كشف مثل ذلك العضو من المفعول، فما أخس هذه اللذة عند العاقل المتيقظ، وما أهونها عليه، وما أقبحها عنده، وما أفضحها لديه (هكذا) ثم لا خلاف أن الحاجة غير طيبة ولا لذيذة ولا مطلوبة ولا محبوبة، وهذه الأحوال أعني اللذات كلها كما ترى حاجات والحاجات آلام، ولو كانت فيها فصيلة لما استغنت الملائكة المقربون عنها ولا تنزهت منها، وكل لذة في أن لا يؤلم جوع ولا يؤذي عطش ولا يتعب مشي.
1 / 35