عليه قولُه بعدَه: (فإنْ لم يَقْضِ)، وإنَّما الخلافُ فيما لا يَقْضِي العقلُ فيه بِحُسْنٍ ولا قُبْحٍ؛ كفُضُولِ الحاجاتِ والتنَعُّمَاتِ هل هو واجبٌ أو مُبَاحٌ أو الوَقْفُ؟ ثلاثةُ مذاهبَ، والقائلون بالحَظْرِ - كما قالَه ابنُ التِّلِمْسَانِيِّ - لا يُرِيدُونَ به باعتبارِ صفةٍ في المَحَلِّ، بل حَظْرٌ احتياطيٌّ، كما يَجِبُ اجتنابُ المنكوحةِ إذا اخْتَلَطَتْ بأجنبيَّةٍ، والقائلونَ بالوقفِ أرادوا وقفَ حِيرَةٍ. وطريقُ البحثِ معَهم في هذه المسألةِ والتي قبلَها: أنَّ كلَّ احتمالٍ عَيَّنُوه، وبَنَوْا عليه حُكْمًا قابَلْنَاهُم بِنَقِيضِهِ، فنُعَارِضُ شُبَهَ القائلينَ بالإباحةِ بِشُبَهِ القائلينَ بالحَظْرِ، وشُبَهَ الواقفينَ بِشُبَهِهِمَا.
تنبيهاتٌ:
الأوَّلُ: تحريرُ النقلِ عنهم هكذا تَابَعَ فيه الآمِدِيَّ، قالَ القَرافِيُّ: وإطلاقُ الإمامِ الخلافَ عنهم يُنَافِي قواعدَهم؛ فإنَّ القولَ بالحَظْرِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي تحريمَ إنقاذِ الغَرِيقِ ونحوِهِ، والقولُ بالإباحةِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي إباحةَ القتلِ والفسادِ، أمَّا ما لم يَطَّلِعِ العقلُ على مَفْسَدَتِه أو مَصْلَحَتِهِ فيُمْكِنُ أنْ يَجِيءَ فيه الخلافُ.
قالَ: ثُمَّ رَأَيْتُ كلامَ أبي الحُسَيْنِ في (المُعْتَمَدِ) وقد حَكَى عن شِيعَةِ المُعْتَزِلَةِ الخلافَ مُطْلَقًا من غيرِ تَقْيِيدٍ، وهو أعلمُ بِمَذْهَبِ القومِ، فرَجَعْتُ إلى طريقةِ الإمامِ.
الثاني: قولُه: (وحَكَّمَتِ المعتزلةُ العقلَ) يَقْتَضِي أنَّ مَذْهَبَهم أنَّ العقلَ مُنْشِئُ الحكمِ مُطْلَقًا، وليسَ كذلك، بل التحقيقُ في النقلِ عنهم أنَّهم قالُوا: الشرعُ مُؤَكِّدٌ لحكمِ العقلِ فيما أَدْرَكَهُ مِن حُسْنِ الأشياءِ وقُبْحِها؛ كحُسْنِ الصدقِ النافعِ والإيمانِ،
1 / 148