ولا بأس من أن نحاول معرفة كيف نشأ هذا النظام الغريب، والظاهر أن الصوفية يحرصون كل الحرص على أحدية الذات، فهم لذلك ينفون عنها كل فعل، وينقلون الأفعال كلها إلى الكلمات، أي: الأنبياء، ولما كان الصوفية عندنا مسلمين كان من همهم أن يجعلوا الكلمة المحمدية أصل الكلمات وروح الوجود.
ولا ينتظر القارئ أن نقدم له صورة شافية كافية لهذا النظام، فالصوفية أنفسهم يدورون حوله في التواء عجيب، ويكفي أن نقول: إن هذه الأخيلة جعلتهم يحلقون في أجواء شعرية، ويتمثلون الوجود مربوطا بالحقيقة المحمدية أوثق رباط.
والذي يتسع وقته لقراءة كتاب الفتوحات من الألف إلى الياء يرى كيف أمكن أن يكون هذا النظام مجالا للرياضة في ألوف من المحتملات والفروض.
لا يهمنا، كما قلت، أن نطمئن إلى صحة تلك المذاهب، وإنما يهمنا أن نعرف أن الصوفية يجعلون محمدا أصل الوجود: لأنه أول تعين للذات الأحدية. ومن هنا صح لمادحي الرسول أن يقضوا بأنه لولاه ما كان شمس، ولا قمر، ولا نجم ، ولا أرض، ولا سماء ، ولا جماد، ولا حيوان، ولا إنسان، ولا بحار، ولا أنهار، ولا جبال.
ومن هنا أيضا صح لهم أن يحكموا بأن جميع الأنبياء إنما هم من نور ذلك الرسول كما قال البوصيري في البردة:
وكل آي أتى الرسل الكرام بها
فإنما اتصلت من نوره بهم
وكما قال في الهمزية:
كيف ترقى رقيك الأنبياء
يا سماء ما طاولتها سماء
Halaman tidak diketahui