ذكر ها اعتمده المولى الصاحب الوزير بهاء الدين في سفره إلى الشام في هذه السنة
لما برز من مصر إلى العش ، كتب جميع من معه من الصحبة من ا/ الأعيان والأتباع والمتصرفين والكتاب ، فرتب لدوابهم العليق ولهم الطعام ، في كل منزلة كل منهم على قدر مرتبته زايدا على كفايته ، والحلوى والفاكهة . ولما وصل غزة أنعم على جميع الضعفاء والفقراء بجملة مستكثرة ، واعتمد ذلك في طريقه اجمع ، واتفق ان عند دخوله إلى الرمل كان الحاج قد عاد من الحجاز إلى الخليل عليه السلام ، وزارالقدس الشريف ، وقصد الديار المصرية ، فصادفناهم في الطريق وهم خلق كثير جد منهم في كل منزلة خلقا ، فكسا أكثرهم وفرق عليهم النفقة ، واكترى للضعفاء امنهم بحيث لم يبق إلا من شمله بره ، على حسب ما يسره الله تعالى ، إلى أن وصل إلى دمشق فتقدم ، حال وصوله ، إلى القاضي عز الدين أن يسير إلى عكا وغيرها من بلاد الفرنج ، ويشتري بما عنده من المال الحاصل المرصد لمشترى الأسرى ، واشترى هومن ماله جماعة من الأسرى بحيث لم يطلع عليه أحد من الصحابة ، وزار جميع المشايخ بظاهر دمشق وباطنها وحمل لكل واحد منهم بمفرده مبلغا جزيلا ، وأهدى لنايب السلطنة وغيره من الأعيان هدية كثيرة . وكان يصنع الحلوى كل ليلة ويفرقها على االفقراء والضعفاء والأكابر ، وزاد في جامكية المرتزقة من المصالح بالجامع من الصدقاتالمرصدة ، ورتب أمور البيمارستان بحيث زيد في مشترى الحوائج المرصدة برسم المرضى والتفرقة . وافصل قضايا كثيرة كانت معطلة ، مثل الخطيب مجد الدين خطيب صرخد، إنه كان معوقا بسبب أملاك صرخد وما كان أقطع عليه ، فأسقط عنه البعض واستخرجمن ملاك الدور والأملاك بصرخد مالأ خلص به الخطيب المذكور وكان ذلك أمرأصعبا على الخطيب ، وكانت الوصية تقدمت على جميع أوقاف المدارس والخوانقا والربط بسبب ما خرج الديوان عليهم من الذي حدد من الحقوق المستجدة ، فأحضر نواب الوقف واستعلم منهم ما في البلاد من الحواصل ، فتقدم بالإفراج عن الأوقافا وتسليم كل وقف إلى مستحقه ، مثل الملك الحافظ ابن صاحب بعلبك ومن يجري جراه ، ومكنهم من بيع الحواصل وحملها إلى بيت المال وأخر ما بقي عليهم وقسطه فحصل هم بذلك الراحة الكبيرة . ثم أمر بعمارة ما دثر من الأوقاف بالجامع وغيره من ربع الحاصل ، ولا تعرض لأحد من أهل دمشق بل أقبل عليهم وعاملهم بالإقبال. واتفق أن شخصا من أهل بعلبك يدعى أبا بكر بن علي بن دشينة توفي ببعلبك وترك زوجة وولدين ، يدعى أحدهما الشيخ داود بن حاتم والآخر علي ، وخلف موجودا كثيرا عينا وغلالا وأملاكا وحججا . ولما توفي المذكور عمد نايب الولاية ببعلبك وهوالأمير سيف الدين الجاكي ، والأمير كمال الدين إبراهيم والي القلعة ، إلى الحوطة على الموجود جميعه من عين وغيره ، وحمل بعض العين إلى الأبواب العالية بدمشق ، فوصلالشيخ داود وأخوه علي إلى دمشق ، واجتمعا بالمولى الصاحب الوزير ، وكنت السفير ا بينهم ، فأنهيا حالهما إليه ، فأنهاها إلى مولانا / السلطان ، ورغب في العدل بينهما فأمر بحمله على ما ثبت من الشرع المطهر ، فأثبتا وفاة المذكور والورثة المستحقة ، وهي زوجته سارة وابنا عمه . فلما أثبتا ذلك توسط لهم المولى الصاحب الوزير أن يقدما البعض ليفرج لهما عن الباقي ، فأمر مولانا السلطان بذلك فكتب ابنا عمه قصة صورتتها : الماليك داود بن حاتم وأخوه علي بنو عم أبي بكر بن علي بن دشينة البعلبكي وسارة زوجته يقبلون الأرض ، وينهون أنهم لما علموا أن مورتهم أبا بكر المذكور لم يقم بزكاة ماله من مدة تزيد على اربعين سنة إلى مدة وفاته وأنها باقية في ذمته قصدوا مولانا السلطان وسألوه أن يحملوا لبيت المال ما تركه من الذهب المصري والصوري والخشر والنقرة ما تبرئ به ذمة المتوفى ، وأن يلتقي الله تعالى وقد قام بما وجب عليه من الزكاة وان يفرج لهم عما سوى ذلك ، وهو مساطير على غرماء لمخلفهم مبلغها ثلتماية ألف درهم ومملوكان تركمانيان سنجر وأيبك ، وخشر مصري وصوري تسع ماية وثمانون ثقالا ، وخشر فضة ثلاثة آلاف وستماية واحد وثلاثون درهما ، وخشر فضة أيضا الفي وثلثماية واثنان وأربعون درهما ، وحوايص عدة زنتها بالسيور ألف وأربع ماية وستون درهما ، وقماش وأثاث وسيف وقسي وسكاكين وما تركه من البضايع والطعوم ي منزله ، ليتصرفوا فيه على الوجه الشرعي واشهدا على نفسيهما آن ما كتباه وسمحابه وحملاه وهو من الذهب المصري والصوري والخشر ألفا وسبع ماية وستة وتسعون ثقالا ومن النقرة المختلفة ماية ألف وسبعة وستون ألفأ وخمس ماية درهم ، وكان تبرعا منهم بطيبة قلوبهم بذلك لله تعالى . فأفرج لهم عن جميع ما التمسوه وكتب لهم كتابا حماية الأملاك التي بقيت عن المتوفى واحترام ورثته . وحصل بين الشيخ داود المذكور وبين المولى الصاحب مودة وظهرت منه / أمارات تدلة على صلاحه ، من ذلك أنه حكى لي ، وقد حضر عندي يومأ ، أنه رأى منامأ معناه أن جماعة من جبل لبنان استصحبوه معهم وقصدوا البيرة إلى أن وقفوا على جانب الفرات من جهة الشام ، فرأوا ابغا بن هولاكو قد قصد البيرة في جمع يسير ليكشفها ، فصاحوا الجماعة عليه وردوه ناكصا على عقبيه . فلما حكى لي هذه الحكاية ، حكيتها للمولى الصاحب الوزير، فحكاها لمولانا السلطان. فلما كان بعد الخمسة أيام من الحكاية وصلت كتب نواب البيرة تخبر أن أبغا وصل في نفر قليل لكشف البيرة وأنه عاد من وقته، وكان تلك الليلة التي ذكرها الشيخ داود .
Halaman 79