فتوجه الى مكة وهى طريقة الى اليمن حتى اذا كان بين عسفان وأمج أتاه نفر من هذيل بن مدركة ابن الياس بن مضر بن نزار بن معدّ فقالوا أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثر أغفلته الملوك قبلك فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة قال بلى قالوا بيت مكة يعبده أهلها ويصلون عنده وانما أراد الهذليون هلاكه بذلك لما عرفوا من هلاك من أراده من الملوك وبغى عنده فلما أجمع لما قالوا أرسل الى الجبرين وسألهما عن ذلك فقالا له ما أراد القوم الاهلاكك وهلاك جندك ما نعلم بيتا لله اتخذه لنفسه فى الارض غيره ولئن فعلت ما دعوك اليه لتهلكنّ وليهلكنّ من معك جميعا قال فماذا تأمر اننى أن أصنع به اذا أنا قدمت عليه قال تصنع عنده ما يصنع أهله تطوف به وتعظمه وتكرمه وتحلق رأسك عنده وتتذلل له حتى تخرج من عنده قال فما يمنعكما أنتما من ذلك قالا أما والله انه لبيت أبينا ابراهيم وانه لكما أخبرناك ولكن أهله حالوا بيننا وبينه بالاوثان التى نصبوها حوله وبالدماء التى يهريقون عنده وهم نجس أهل شرك فعرف نصحهما وصدّق حديثهما فقرّب النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم ثم مضى حتى قدم مكة فطاف بالبيت ونحر عنده وحلق رأسه وأقام بمكة ستة أيام فيما يذكرون ينحر بها للناس ويطعم أهلها ويسقيهم العسل ورأى فى المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف ثم أراد أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافر ثم رأى أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه الملاء والوصائل* وكان تبع فيما يزعمون أوّل من كسا البيت وأوصى به ولاته من جرهم وأمرهم بتطهيره وأن لا يقرّبوه دما ولاميتة ولا ميلغا وهى الحائض وجعل له بابا ومفتاحا ثم خرج متوجها الى اليمن بمن معه من جنوده وبالحبرين حتى اذا دخل اليمن دعا قومه الى الدخول فيما دخل فيه فأبوا عليه حتى تحاكموا الى النار التى كانت باليمن قال ابن اسحاق فيما يرفعه الى طلحة بن عبيد الله أنه يحدّث أن تبعا لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا فدعاهم الى دينه وقال انه خير من دينكم قالوا فحاكمنا الى النار قال نعم قال وكانت باليمن فيما يزعم أهلها نار تحكم بينهم فيما يختلفون فيه تأكل الظالم ولا تضرّ المظلوم فخرج قومه بأوثانهم وما يتقرّبون به فى دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما متقلدين بهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذى تخرج منه فخرجت اليهم فلما أقبلت نحوهم حادوا عنها وهابوها فردّهم من حضرهم من الناس وأمروا بالصبر لها حتى غشيتهم فأكلت الاوثان وما قرّبوها معها ومن حمل ذلك من رجال حمير وخرج الحبران بمصاحفهما فى أعناقهما تعرق جباههما لم تضرّهما النار فصفقت عند ذلك حمير عن دينها فمن هنالك كان أصل اليهودية باليمن قال ابن اسحاق وقد حدّثنى محدّث أن الحبرين ومن خرج من حمير انما تبعوا النار ليردّوها قالوا ومن ردّها فهو أولى بالحق فدنا منها رجال حمير بأوثانهم ليردّوها فدنت منهم لتأكلهم فحادوا عنها ولم يستطيعوا ردّها ودنامنها الحبران بعد ذلك بمصاحفهما وجعلا يتلوان التوراة وتنكص حتى ردّاها الى مخرجها الذى خرجت منه فصفقت عند ذلك حمير عن دينها والله أعلم أىّ ذلك كان* قال ابن اسحاق وكان فى رئام بيت لهم يعظمونه وينحرون عنده ويكلمون منه اذ كانوا على شركهم فقال الحبران لتسع انما هو شيطان يفتنهم فحل بيننا وبينه قال فشأنكما به فاستخرجا منه فيما يزعم أهل اليمن كلبا أسود وذبحاه ثم هدما ذلك البيت فبقاياه اليوم فيما ذكر لى بها آثار الدماء التى كانت تهراق عنده*
ذكر خبر أبي عامر الراهب
ومن أخبار الجنّ ما روى أن أبا عامر الراهب كان وصافا لرسول الله ﷺ قبل ظهور أمره وكان قد رغب عن الشرك وطلب الحنيفية دين ابراهيم وسافر الى جهات شتى فسال أهل الكتاب عن الحنيفية فأخبره علماؤها بمبعث محمد ﷺ بملة ابراهيم ﵊ ونعتوه له فقال أبو عامر انه ذكر لى كاهن باليمن أنه يذكر الامور المتوقعة الحدوث فتوجهت
1 / 28