هو يوئيل بن شعيب اليهودي التطيلي الأندلسي الكاتب المفسر، نبغ في تطيلة في القرن الخامس عشر للميلاد، ووضع شروحا مفيدة على بعض أسفار الكتاب طبعت في ونديق، ويظن أنه ولد سنة 1430، وتوفي سنة 1490. (11) ابن جبرول
ويعرف عند الإفرنج باسم أويسبرون، ولد في مالقه في أوائل سنة 1021، وتوفي سنة 1070، ونبغ بين معاصريه، واشتهر بسعة علمه وزادت شهرته عند أهل القرون المتوسطة بكتاب سماه «ينبوع الحياة»، وقد وثق به بعضهم وأعلوا مقامه وأحلوا كلامه محل القبول ونبذه آخرون وعدوه كافرا، وكانوا في الحقيقة يجهلون ما هو دينه ولا يعرفون إن كان يهوديا أو نصرانيا أو مسلما، وما زال مجهولا حتى عثر بعض الباحثين على نسخة عبرانية من كتابه ينبوع الحياة معربة عن الأصل العربي، فعرفوا منها أن أويسبرون هو سليمان بن يهوذا بن جبرول المعروف عند العرب بأبي أيوب سليمان بن يحيى، وكان متضلعا عالما وفيلسوفا شهيرا راسخا في علم اللغة العبرانية، وله منظومات دينية تدل دلالة واضحة على صحة عقيدته وتمسكه بدينه، وله منظومة بديعة في نحو العبرانية ألفها وهو ابن تسع وعشر، وهي مثال في الطلاوة وحسن الإنشاء، وله كتاب في إصلاح الأخلاق باللغة العربية نقله يهوذا بن تبون إلى العبرانية، وطبع سنة 1550، ولم يقم طويلا في سرقطسة؛ لأنه أورد في كتابه آراء جديدة في الطبيعة البشرية والشهوات وتعرض لأمور شخصية ألزمته الرحيل، وتنقل كثيرا في بلاد إسبانيا من مدينة إلى أخرى بغير أن يقر له قرار حتى استدعاه الوزير الأول صموئيل صاناكد الإسرائيلي وقربه إليه وأعلى مقامه، ولابن جبرول شروحات كثيرة على بعض أسفار التوراة ومنظومة سماها «التاج الملوكي»، وفيها كثير من جودة المعاني والشوق الروحاني حتى صار اليهود يرتلونها في صلاتهم ليلة عيد الحزن.
أما كتابه «ينبوع الحياة» المعروف بكتاب المادة العامة فقد عرب إلى اللاتينية، ويظهر منه ماهية فلسفته ومذهب بعض فلاسفة اليهود، وكتب في مؤلفه هذا في مباحث فلسفية عويصة وتعرض لشرح أرسطاطاليس عن وجود عنصرين متحدين هما المادة والصورة، وقد أسهب في هذا المعنى وشرحه شرحا وافيا حتى صارت كتاباته موضوع جدال وخلاف عظيمين بين أهل الحقائق وأهل الفلسفة الاسمية، وبحث أيضا في علم الإرادة بكتاب جاء ذكره، ولكنه فقد ولم يعثر عليه، ويتضح من كتاب ينبوع الحياة أن صاحبه يعتقد بصحة القليل من المذهب الأفلاطوني، ولكنه غير موافق له تماما فقد خالفه في كثير من المباحث والمواضيع الجوهرية التي أسندت إليها كل آرائه وأفكاره.
وجاء في كتاب آثار الأدهار أن ابن جبرول كان من الحقائقيين لقوله: إن كل حقيقة كائنة في الجنس ومهما اختلفت الأجناس فمرجعها إلى الشيئين الكبيرين، وهما المادة والصورة اللتان عدتا أصل كل حقيقة إلا ما كان من الطبيعة الإلهية، وقد قال أيضا بوجود مادة عامة مشتركة بين الأرض والسماء والأرواح والجواهر المتوسطة بين الإنسان والخالق، وقال: إننا إذا نظرنا إلى الأجسام على اختلافها نرى لها أصلا عاما هو موضوع جميع الصفات الهيولية، وهو المسمى حصرا بالمادة، ولولا هذه المادة لما كان بين الأجسام غير فروق، ولكن الجسم اسم بل معنى، وبحث أيضا في الأرواح العمومية والخصوصية التي فوق الأجسام، وجاء بآرائه فيها وهي شاذة تخالف كل ما تقدمها من آراء العلماء والفلاسفة وأبحاثهم حتى استوجبت الرد والدحض، وقال: إن الأرواح مركبة كغيرها من المادة والصورة، ولو كانت غير مركبة لاستحال أن تؤلف جنسا، ولا يصح أن يقال لها على الإطلاق: روحانية، وذهب إلى أن الجنسين الروحاني والجسداني ليسا سوى نوعين من جنس أرفع منها، وهو المادة التي في كل منهما، وأن المادة الهيولية والمادة الروحانية ليستا سوى جزأين من المادة العامة، والمراد بالمادة هنا على مذهب الحكماء إحدى علل الوجود.
والخلاصة أن تعاليم ابن جبرول وآراءه على ما فيها من الخلل والشطط والابتذال تعد من المباحث الفلسفية والعلمية، وهي كثيرة الأهمية بقيت زمنا طويلا موضوع بحث وتنقيب عند الفلاسفة والحكماء، وقد كانت بادئ بدء مجهولة لو لم يطلع عليها بعض المؤرخين، وقد تكلم ابن رشد الفيلسوف الشهير على أحد مبادئ كتاب ينبوع الحياة، وهو مبدأ العقل العام، وذكر بعض المؤرخين مذهب ابن جبرول وعدوه مخالفا للمعتقد الإسرائيلي، وعرب العالم دومنيكو غنديسلفي كتاب ينبوع الحياة في منتصف القرن الثاني عشر، فأحدث اضطرابا شديدا وتمسك بعض به وناقضه آخرون، ومنهم إمبرت الكبير، فإنه دحض آراء ابن جبرول في المادة العامة والعقل العامل، وقد أجاد توما الإكويني في مناقضته له أيضا، أما روجر باكون المشهور، فقد عزز آراءه واعتقد بصحتها ونقحها على قدر الإمكان، وحذا كثيرون من العلماء حذوه.
فيظهر مما تقدم أن ابن جبرول مع تطرفه في آرائه ومباحثه يعد عالما كبيرا وكاتبا نحريرا ومن أشهر فلاسفة الزمن. (12) أغنياء اليهود (12-1) البارون موريس هرش وزوجته
البارون موريس ده هرش أكبر أولاد البارون يوسف هرش الذي رقاه الملك لويس الثاني ملك بافاريا إلى رتبة البارونية لأجل إخلاصه لعرشه وخدمه الكثيرة النافعة له، كان جده تاجرا بالبقر فأثرى وصار ملك بافاريا يستدين المال منه، قيل: سأله الملك مرة كيف أثريت وأنت تتاجر بالبقر، فقال: أثريت لأني أتاجر بالبقر ومع البقر.
ولد البارون موريس هرش في مونخ عاصمة بافاريا في 9 ديسمبر سنة 1831، ودرس في بركسل عاصمة البلجيك، ولما بلغ الثامنة عشرة من العمر دخل بنك بيشوفسهيم وغولد شمت، وهما من أكبر صيارفة بركسل فظهرت حالا نجابته ومقدرته المالية واقترن بابنة بيشوفسهيم، وهي أصغر منه بسنتين، فاقترن به السعد باقترانه بها؛ لأنها كانت كملاك يحرسه ويرشده، ويبث البهجة والحبور في حياته.
ولم يمض عليه زمن طويل حتى صار المدير لذلك البنك والموسع لأعماله، وكان متوقد الفؤاد قوي العزيمة مقتدرا على إدارة الأعمال وتنظيمها، فأنشأ سكة الحديد من بودابست إلى وارنه على البحر الأسود، وكان العمل ثلاثة أقسام أخذت بالقرعة وأصابت قرعته القسم الأصعب منها، لكنه ربح منه ربحا طائلا، والاثنان الآخران خسرا؛ لأنه كان أكثر منهما سهرا على إدارة الأعمال.
وأفلس المسيو ديمنسو المالي البلجي العظيم سنة 1869 فابتاع البارون هرش منه سندات سكة الحديد التركية، وكان المظنون أنها أبخس ممتلكاته قيمة وأقلها جدوى، لكنه أحسن إدارتها حتى صارت أساس ثروته، وظل ينشئ سكك الحديد متغلبا على المصاعب الطبيعية والعراقيل السياسية، حتى قدرت ثروته بعد خمس عشرة سنة بعشرة ملايين جنيه إلى ثلاثين مليونا.
Halaman tidak diketahui