إهداء الكتاب
فيلكس سوارس
1 - أصل اليهود ونسبهم
2 - انتشار اليهود وتاريخهم
3 - موسى والخروج من مصر
4 - بعد الخروج
5 - ديانة اليهود وشريعتهم وفرقهم
6 - التلمود
7 - فرق اليهود
8 - بعض عوائد اليهود والموسيقى
Halaman tidak diketahui
9 - تراجم مشاهير اليهود
10 - الجمعيات عند اليهود
11 - رجال الدين
12 - أعيان اليهود في القطر المصري
13 - في نوابغ الإسرائيليين
14 - في الأمة الإسرائيلية
تقاريظ الكتاب
إهداء الكتاب
فيلكس سوارس
1 - أصل اليهود ونسبهم
Halaman tidak diketahui
2 - انتشار اليهود وتاريخهم
3 - موسى والخروج من مصر
4 - بعد الخروج
5 - ديانة اليهود وشريعتهم وفرقهم
6 - التلمود
7 - فرق اليهود
8 - بعض عوائد اليهود والموسيقى
9 - تراجم مشاهير اليهود
10 - الجمعيات عند اليهود
11 - رجال الدين
Halaman tidak diketahui
12 - أعيان اليهود في القطر المصري
13 - في نوابغ الإسرائيليين
14 - في الأمة الإسرائيلية
تقاريظ الكتاب
تاريخ الإسرائيليين
تاريخ الإسرائيليين
تأليف
شاهين مكاريوس
إهداء الكتاب
إلى جناب الفاضل الخواجه فيلكس سوارس المحترم
Halaman tidak diketahui
اعتاد الكتاب إهداء ما يطبعونه من مؤلفاتهم ومصنفاتهم إلى الذين يعتقدون فيهم النفع والفضل بما يأتونه من جليل الأعمال، ولما كان اعتقادي بكم مطابقا لما دونته في ترجمة حياتكم رأيت أن أهدي هذا المؤلف إليكم، وحسبه فخارا أنه تاريخ أمة أنتم من عظمائها، ألا وهي الأمة التي إذا ذكر رجال الفضل كان منها النوابغ في الدين والعلم والسياسة، وقد استوى منها الملوك على العروش، فعدلوا في الرعية أحقابا طوالا، وبارك الله حكمهم، وأنمى في أيامهم شعبهم، فطبقت شهرتهم الآفاق، وبلغوا ذرى المجد والفخار بأعمالهم الصالحة، ناهيك عمن نبغ منها من الفلاسفة العظام والشعراء المجيدين والمؤرخين المحققين والكتاب والمحسنين.
فقارئ هذا الكتاب يرى شعار الحق والأمانة والاجتهاد ممثلا في الأمة التي أنتم منها، فحري بي أن أهدي إلى جنابكم كتابي هذا لتقادم عهد الوداد بيننا؛ ولأني آنست في أعمالكم المجيدة النفع العام لسكان هذا القطر السعيد فتقبلوه تذكارا لفضلكم، واعترافا بجميلكم أدامكم الله.
شاهين مكاريوس
الخواجه فيلكس سوارس.
فيلكس سوارس
فيلكس سوارس، وأعني به الرجل الطائر الصيت والشهرة، صاحب الأيادي البيضاء في كل مأثرة ومبرة، مبتكر المشروعات العظيمة والشركات الجليلة والأعمال النافعة التي أفادت القطر المصري، وفتحت سبل الخير لألوف من الناس على اختلاف مللهم ومذاهبهم، بل هو نابغة الأقران الذين يشار إليهم بالبنان لجوده وسماحته وتواضعه ومكارم أخلاقه ومبراته حتى كنوه بأبي الفقراء، ولقبوه جامع الشمل، ومجير الأيتام، وجابر عثرات الكرام.
صاحب هذه الترجمة هو الخواجه فيلكس سوارس ابن المرحوم إسحاق سوارس من عائلة كريمة أثيلة في المجد، ولد في مصر في 26 طيبت سنة 5603 عبرية/29 ديسمبر سنة 1842 ميلادية، وتوفي والده سنة 1848 عن خمسة أولاد أكبرهم مردخ توفي سنة 1861، وتوفي أخوه يعقوب سنة 1865، ويوسف سنة 1900، وأختهم سنة 1902، أما شقيقه الهمام الوجيه الخواجه روفائيل سوارس فلا يزال بعون الله ساعده الأيمن في مشروعاته المشكورة، وعماده الأقوى في أعماله المبرورة، بالاشتراك مع حضرات الوجهاء الخواجات إخوان رولو الذين لخصنا شيئا من تاريخهم بغير هذا المكان.
ولم يكن صاحب الترجمة عند وفاة أبيه متجاوزا السادسة من عمره، فاعتنت به والدته المرحومة نظلة سوارس اعتناء عظيما فربته على أقوم المبادئ وأشرفها، وأشربته حب الفضيلة والتقوى والاعتماد على النفس، فشب وشاب عالي الهمة مقداما تزينه حكمة الكهول في سن الشباب وقوة الشباب وإقدامهم على جليل الأعمال في سن الكهولة، وأدخلته والدته إحدى المدارس لتلقي العلوم والمعارف، فأتقن اللغات العربية والفرنسوية والإيطالية، ثم تخرج على معلمين خصوصيين، فكانوا يعلمونه في منزله، وخرج بعد ذلك إلى معترك الحياة، فكأنه بدر ظهر من وراء غمام تدفعه الآمال السامية والأماني الشريفة وتتقد في صدره نار العزم والهمة.
وكان أخوه المرحوم مردخ يتعاطى التجارة مع المرحوم إبراهيم شماع والد حضرة الخواجه ماركتو شماع، فلما توفي سنة 1861 دخل خلفه صاحب الترجمة شريكا، وظل كذلك إلى سنة 1873، واقترن في تلك السنة بالسيدة ركيتا كريمة المرحوم أصلان بك قطاوي، وشقيقة حضرات يوسف بك أصلان قطاوي، والخواجات جاك وأدولف وإميل وإخوتهم أبناء أخي الوجيهين السريين موسى بك ويوسف بك قطاوي أنجال المرحوم يعقوب بك قطاوي، فرزق منها أربعة صبيان وخمس بنات.
وفي سنة 1872 شرع يظهر جواهر آماله الكبيرة، فشمر عن ساعد الهمة والإقدام، وباشر تأسيس أعماله العظيمة، فأسس في السنة المذكورة محلا اشترك فيه مع حضرات الخواجات أنريكو نحمان وشقيق حضرة قرينته الخواجه جاك قطاوي دعي باسم «محل سوارس ونحمان وشركائهم في مصر»، وفي سنة 1876 انضم إليهم الخواجات رولو، وبقي اسم المحل كما كان، وأنشئوا في تلك السنة محلا في الإسكندرية باسم «الخواجات روبين رولو وأولاده وشركائهم»، ثم أسس محلا في مصر سنة 1882 باسم «بيت إخوان سوارس وشركائهم»، مع إبقاء محل سوارس ونحمان في مصر على حاله، وحول سنة 1886 المحلين إلى محل واحد سماه «بيت إخوان سوارس وشركائهم»، وبقي محل الإسكندرية على حاله أيضا.
Halaman tidak diketahui
ولم يقتصر في أثناء ذلك على إنشاء المحلات التجارية، بل كان آخذا أيضا في تأسيس الشركات النافعة، فأسس سنة 1876 أول شركة في مصر على شكل بنك سماسرة سماها «الشركة الأهلية»، ولكنها انحلت سنة 1877 عند تصفية دين الحكومة المصرية بأرباح طائلة لجميع المساهمين فيها.
وأسس سنة 1880 مع شقيقه الخواجه روفائيل وشركائه البنك العقاري المصري الذي كان ولا يزال مورد خير لمصر وأهلها، ولا تزال أشغاله آخذة في النجاح عاما بعد عام، كما يرى الذي يروم الاطلاع على تاريخ إنشائه.
وسنة 1882 أنشأ فابريقة السكر بالحوامدية، ولكنها لم تبتدئ بالعمل إلا سنة 1883.
وأسس سنة 1888 شركة سكة حديد حلوان المشهورة.
وسنة 1890 أسس شركة سكة الحديد من أسيوط إلى جرجا، ومد الخطوط الحديدية من دمنهور إلى الرحمانية، ومن شبين الكوم إلى منوف، ومن الفيوم إلى سنورس، وهذه كلها سلمت إلى الحكومة المصرية بعد إتمامها.
وسنة 1891 اشترى تفتيش الشيخ فضل من الدائرة السنية، وسنة 1892 أنشأ شركة السكر وضم إليها فابريقة الحوامدية والشيخ فضل ونجع حمادي، ثم اشترى تفتيش البدرشين من مصلحة الدومين في سنة 1894.
وسنة 1895 أسس شركة ري الوجه القبلي وباعها فيما بعد لشركة السكر، ومدت السكة الحديدية من قنا إلى أسوان في السنة نفسها.
وسنة 1896 أسس شركة سكة حديد الشرقية الاقتصادية، وباعها بعد ذلك لشركة سكة حديد الدلتا.
وفي هذه السنة أنشأ الشركة العقارية، وضم إليها تفتيش البدرشين الذي كان من جملة أملاكه.
وسنة 1897 أسس شركة قومبانية المياه بطنطا.
Halaman tidak diketahui
وسنة 1898 أسس شركة الدائرة السنية التي اشترت أراضي الدائرة السنية كلها، وفي السنة عينها أسس شركة البنك الأهلي الذي تفرع عنه البنك الزراعي سنة 1902.
فظاهر مما تقدم أن تاريخ حياة هذا الرجل العالي الهمة كانت سلسلة أعمال عظيمة ومشروعات كبيرة تنوء تحتها الهمم والعزائم وتقل في جنبها الحيل والوسائل، ولكن همته كانت قوية وعزيمته شديدة ومداركه عالية، فاستطاع أن يتغلب على الصعوبات الكبيرة والموانع الكثيرة التي لا بد من وقوعها في كل عمل عظيم مثل أعماله العديدة، التي يشتغل بها ألوف من الناس على اختلاف مللهم ونحلهم في سائر أنحاء القطر المصري وفي السودان أيضا، وكان التوفيق مرافقا له في كل أعماله ومشروعاته وشركاته الكثيرة التي كان يديرها بعقله الراجح ومداركه السامية وذكائه المفرط؛ حتى نجحت نجاحا عظيما وجاءت بأرباح طائلة على القطر المصري وأهله، فغيرت حالة التجارة وحسنت المعاملات وسهلت المواصلات، وخففت المشقات عن التاجر والصانع والزارع على السواء.
ومما يطيب ذكره في هذا المقام أن معنى كلمة فيلكس بالعربية «سعد»، وهكذا خدم السعد صاحبها فوافق الاسم المسمى في كل أعماله وأفعاله.
أما مآثره ومبراته الخيرية، فمما يضيق المقام عن تعدادها، بل يقتضي لها مجلد ضخم، فمنها مساعدته لمستشفى الكلب بمصر وغيره وهو رئيس الشركة الخيرية الإيطالية وغيرها، وله مآثر غراء وأياد بيضاء على المدارس الخيرية الإسرائيلية وغيرها، ويكسو الفقراء كل سنة ويوزع عليهم الهبات، ما عدا الرواتب الشهرية التي يتبرع بها لعدد كبير من البيوت التي أخنى الدهر على أصحابها لينفقوها على معيشتهم ويصلحوا بها من شئونهم، فحسنت أحوالهم وطاب عيشهم ورتعوا في نعيم وهناء، كل ذلك بلا تمييز بين طوائفهم ومللهم.
قال لي مرة: إن كل مشروعاتي التي باشرتها كان الخير والربح منها ظاهرين أمامي للقطر المصري عموما، سواء كان في التجارة أو الصناعة أو الزراعة ومنها سكة حديد حلوان أنشأتها مع زملائي لخير مصر وحلوان وسكانهما ولاعتقادي أن هواء حلوان صحي وأن سكة الحديد تفيد الجميع، وتأتي بالغاية التي أرومها لمن يقصدها من السكان والسياح وغيرهم.
وتأخرت مرة في إحدى ليالي الشتاء الباردة في مصر، ثم أتيت محطة حلوان بعد نصف الليل قاصدا منزلي، فرأيت الخواجه فيلكس سوارس واقفا ينتظر القطار الآتي من حلوان ليطمئن باله عن صحة ركابه، فقلت له: يا خواجه سوارس، إن مصر في احتياج إليك وإلى مشروعاتك العظمى ومجيئك في مثل هذا الوقت قد يضر بصحتك، فأجابني إني جعلت صحتي وحياتي وقفا لراحة الجمهور، ولما جاء القطار ودعته وسافرت إلى حلوان وأنا أتعجب من عالي همته وشدة انتباهه ويقظته.
وكنت مرة أذكر له شيئا عن محفل بدر حلوان الماسوني ومشروعاته الخيرية الجزئية التي يباشرها، فاستأذنته في سفر بعض موظفيه ذهابا وإيابا بين مصر وحلوان فتبسم، وقال: يا صديقي العزيز، ما دامت وجهتك إلى الخير فهذه سكة حديد حلوان، وهذا قلبي وعواطفي وهذه بنوكي، وأنا مستعد لمساعدتك في كل ما تراه صالحا ومفيدا لبني الإنسان، فقلت له: إننا لا نريد إلا أن يطيل الله في عمرك لتعم مشروعاتك وأعمالك العظيمة وينتفع بها الجميع.
أما أوصافه، فطويل القامة قد وخطه الشيب، مهيب في رؤيته، لطيف في محادثته، بشوش في مقابلته، نحيف في جسمه، مؤثر في كلامه، شفوق في عواطفه، مندفع في مبراته، بخيل في سيئاته، مسرع في حسناته، جبان في الغضب، حليم في الشدة، شجاع في الخطوب، سريع النسيان في الذنوب، وهو كثير الافتكار عظيم الابتكار، قلما يمضي عليه وقت ولا يفتكر فيه في عمل عظيم، واسع الرواية، طلق المحيا، متواضع عن غير ضعف، ولم تكن ملذات العالم والغنى والجاه والسعد إلا لتزيده دعة ورقة وسماحة، فهو عظيم غني عالم فقير ناسك.
أما نظره إلى الأمور فحاد، ونظر العالم إليه فبالاحترام والوقار، وقد أنعمت عليه الدول العظمى بنياشين الشرف والافتخار، ولم تكن هذه أيضا إلا لتزيده تواضعا وحبا بفعل الخير، وكل الذين عاشروه وامتزجوا معه يشهدون برقة شعوره الشريف ومشاركتهم في عواطفهم، فهو يسر لسرورهم، ويحزن لحزنهم، والذين اشتغلوا معه سواء كانوا كبارا أو صغارا يشهدون أنه يضحي كل نفيس في سبيل سرورهم ولا يميز نفسه عنهم، وقلما رأوه يغضب أحدا أو يهين أحدا، أو يتعمد أذية إنسان، وكل مشكلة أو قضية أو خصام يحسمها بالمحبة والسلام كما هو مشهور عنه، أطال الله أيام حياته وأدامه عضدا للخير والإنسانية.
الفصل الأول
Halaman tidak diketahui
أصل اليهود ونسبهم
يذهب أكثر العلماء إلى أن البشر ينقسمون إلى أربعة فروع يمكن رد جميع طوائفهم وأجيالهم إليها، واعتمادهم في هذا التقسيم على الاختلافات الكائنة في الأوصاف الأدبية والعقلية والبدنية، وهذه الفروع الأربعة هي: القوقاسي والمنغولي والزنجي والملقي.
أما القوقاسي أو الأبيض فاسمه مشتق من جبال القوقاس الواقعة بين البحر الأسود وبحر قزبين والموصلة أوروبا بآسيا، وهو الفرع المنتشر في أوروبا وأميركا والجزء الغربي من آسيا، والقسم الشمالي من أفريقيا وبعض أستراليا، وسنعود إلى الكلام عليه.
والمنغولي أو الأصفر يشمل سكان الصين واليابان وبورما وسيام وسهول سيبيريا، ومنه بعض الشعوب المنتشرة في شرق آسيا وجنوبها الشرقي، ومنهم الأتراك والمجر وأهل فنلاندا ولبلاندا والإسكيمو في أميركا.
والزنجي ومواطنه أفريقيا وأوصافه معروفة.
أما الملقي فيشمل سكان شبه جزيرة ملقا وما جاورها من الجزر وأهل مدغسكر ونيوزيلاندا وهنود أميركا الحمر.
ولا يخفى أن المعتبر من تاريخ البشر إنما هو تاريخ الفرع القوقاسي، إذ لم يكن لسائر الفروع بعض ما كان له من التأثير في العمران؛ ولأن المدنية مديونة له لا لغيره من الفروع الأخرى فيما صارت إليه، ويندرج تحته طوائف ثلاث كبيرة نأتي على ذكرها هنا وهي:
الآريون أو الهنود الأوروبيون.
الساميون.
الحاميون.
Halaman tidak diketahui
أما الآريون فأمم أوروبا القديمة والحديثة - إلا من ذكرنا بين المنغول - كاليونان واللاتين والتيوتون والجرمان بما فيهم الإنكليز والسلتيون والسلاف، وثلاثة من أمم آسيا أعني الهنود والفرس والأفغان.
والساميون يشتملون على العبرانيين أو اليهود والفينيقيين والآشوريين والعرب والبابليين والكلدانيين.
أما الحاميون فلم يشتهر منهم في التاريخ سوى المصريين القدماء.
ولا يخفي أن للساميين منزلة كبيرة في تاريخ العمران ومقام الهيئة الاجتماعية الحاضر، فمنهم اشتقت الأديان الثلاثة العظمى بين المتمدنين أعني اليهودية والنصرانية والإسلامية، فهم دعاتها والمنادون بها وعنهم اقتبسها غيرهم من الطوائف الآرية وما شاكلها.
فاليهود إذن قوقاسيون ساميون يرجع نسبهم إلى سام بن نوح، وقد كانوا أيام انبساط ظلهم في فلسطين يحافظون على أنسابهم ويدونونها في كتب تحفظ لهذه الغاية متبعين في تدوينها الأسباط فالعشائر فالبطون فالبيوت، فلما تفرقوا أيدي سبا فقدت هذه الكتب وضاعت أنسابهم، ومع ذلك فقد حفظوا كيانهم حيثما حلوا ولم يكثروا من الاختلاط بالأمم الأجنبية حولهم حتى لقد قيل: إن الذين استوطنوا أوروبا منهم منذ قرون كثيرة لا يزال لفظهم للغات الأوروبية يمتاز عن لفظ الأوروبيين لها حتى يومنا هذا.
1
ولا يخفى أن معظم تاريخ اليهود حتى خراب أورشليم مأخوذ عن التوراة، فهي خزانة تاريخهم وحكاية ما حل بهم من العبودية والظلم، وما أصابوه من العز والفوز والسؤدد، كما أنها كتاب وحيهم ومجموعة معتقدهم وشرائعهم الدينية والأدبية والمدنية، فالناظر في تاريخهم لا بد له أن يعتمد التوراة لاستخلاص أخبارهم، ثم يجد التمام فيما بقي من آثار الآشوريين والبابليين وغيرهم من الأمم التي عاصرتهم، وكان لها معهم وقائع واتصال وتجارة، هذه مصادر تاريخهم وأخبارهم إلى خراب أورشليم، أما بعد ذلك فهي متفرقة في تواريخ الأمم التي أقاموا بين ظهرانيها شعبا لا وطن له ولا بلاد، وأمة لم يبق لها الدهر من مزايا الأمم سوى آثارها وتذكار الماضي واعتقادها اعتقادا واحدا أين سارت وأيان حلت.
وأبو هذه الأمة
2
إبراهيم أو إبرام، والمعروف من أمره أنه وصل من بلاده فيما بين النهرين نحو القرن العشرين أو الحادي والعشرين قبل الميلاد، وجاء إلى أرض كنعان الواقعة جنوبي سوريا والمعروفة اليوم باسم فلسطين أو الأرض المقدسة، ولم تأت التوراة على السبب الصريح لمهاجرة إبراهيم أرض آبائه، وإنما يؤخذ مما جاء فيها في مواضع متفرقة، إنه فضل ذلك كي يعبد الله عملا بما أنزل عليه من الوحي، وهذا يطابق ما جاء في القرآن من أنه إنما غادر أهله وبلاده؛ لأنهم كانوا عبدة أصنام، وكان يعبد الله فخاصمهم وارتحل عنهم إلى حيث يبيت في مأمن منهم، وحيث تتسنى له عبادة الحق دون معارضة أو خصام، وكأنه أولئك البيورتان الذين ارتحلوا من إنكلترا وذهبوا إلى أميركا يطلبون فيها ملجأ لهم يكونون فيه، بحيث لا يخشون بطش أعدائهم ولا دسائس الذين يريدون بهم شرا فيحافظون على عقيدتهم وإيمانهم.
Halaman tidak diketahui
الفصل الثاني
انتشار اليهود وتاريخهم
(1) آباء اليهود الأولون
إبراهيم بن تارح، من نسل سام من سلالة حابر، ولد في أور الكلدانيين، وما زال هناك إلى أن أمره الله قائلا: انطلق من أرضك ومن عشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك، وأنا أجعلك أمة كبيرة، فقام وأخذ ساراي امرأته وارتحل هو وأبوه تارح وبعض أفراد عائلته من أور يقصدون أرض كنعان فنزلوا في حاران (اسم مكان أو مدينة موقعها في الشمال الشرقي مما بين النهرين بين الفرات وخابور، ولا تزال معروفة باسمها القديم وموقعها على شاطئ نهر بليك نحو 50 ميلا من مصبه في الفرات، ويزعم الدكتور بيك أنها حاران الحديثة بجانب بحر العتيبة بقرب دمشق)، وما زال إبراهيم ومن معه في حاران إلى أن مات تارح، فمضى حينئذ على هجرته إلى أرض كنعان فوصل إلى شكيم، وهي من أقدم مدن فلسطين (هي سوخار واسمها اليوم نابلس وعدد أهلها 9000 نفس).
وحدث جوع شديد في الأرض فاضطر إبراهيم أن ينحدر إلى مصر، وكان له مع فرعون ملكها وقائع لا موضع لإثباتها هنا، ثم عاد إلى أرض كنعان، وكان لوط ابن أخيه معه في رحلته هذه، فأصاب من غنى عمه بسهم وافر أيضا، ثم وقع نزاع بين رعاتهما أدى إلى انفصالهما، فاختار لوط أن يرتحل إلى سهل الأردن المخصب، حيث كانت سدوم وعمورة، وسار إبراهيم إلى أرض حبرون (وهي اليوم الخليل)، وحدث بعد هذا أن بعض ملوك البلدان الواقعة على الفرات أغاروا على مدن سهل الأردن فأخذوا سدوم وأسر لوط مع أهل بيته، فلما بلغ الخبر إبراهيم سلح غلمانه ثلاثمائة وثماني عشرة نفسا، وكبسهم ليلا هو وعبيده فكسرهم، واسترجع لوطا وأملاكه ونساءه وجميع الأسرى، وكل ما كان لهم، وأبى أن يأخذ لنفسه شيئا من الغنيمة جزاء لأتعابه، وفيما كان راجعا من ساحة الحرب التقى بملكي صادق ملك ساليم فأعطاه عشرا من كل شيء من الغنيمة.
1
وكان لإبراهيم ولد من جاريته هاجر اسمه إسماعيل رزقه قبل ابنه الآخر إسحاق من زوجته سارة، وقد جاء في التوراة أن إسماعيل هذا هو أبو أكثر قبائل البدو والرحل في الشرق والعرب ينتسبون إليه، فالعرب واليهود أبناء العم.
وعاد إبراهيم فتزوج في أخريات أيامه، فولد له عدة بنين وبنات، ومات وعمره مائة وخمس وسبعون سنة، وورثه ابنه إسحاق، وهو الجد الثاني لليهود.
ومن يمعن النظر في سيرة إبراهيم وأخلاقه وأفعاله، وينظر بينها وبين المشهود عن اليهود اليوم يتضح له شدة ما قاساه هذا الشعب من الضيق والاضطهاد والضغط الشديد، حتى تبدلت أخلاقه عما كان عليه أسلافه كإبراهيم ومن جاء بعده، ولا عجب في ذلك فثمرة الظلم والاستبداد والضغط واحدة في جميع الشعوب والأمم ولا تقتصر على اليهود، والتاريخ مشحون بحكايات ما آلت إليه أحوال الشعوب التي منيت بالظلم والاستعباد قرنا بعد قرن وعصرا بعد عصر، وإذا صح أن اليهود إخوة العرب أبطال الصحراء وصدقنا ما رواه المؤرخون عن بسالتهم التي أبدوها في حروبهم وحصار أورشليم وقمعهم ملوك سوريا من خلفاء الإسكندر، علمنا أن جزءا كبيرا من هذه التهم التي لصقت بهم في العصور المظلمة وظلت آثارها ظاهرة في عصرنا هذا إنما منشؤه الكره والحقد والتعصب الديني الأعمى، وسنعود إلى الكلام في هذا الشأن في بابه الخاص به.
وإسحاق لفظة عبرانية معناها «يضحك»، فلما ماتت والدته تزوج بابنة ابن عمه من بين النهرين وجاء بها إلى أرض كنعان، وولد له منها ابنان توأمان عيسو ويعقوب، وتوفي وله من العمر مائة وثمانون سنة.
Halaman tidak diketahui
ويعقوب ابنه هو جد اليهود الثالث، ولقبه إسرائيل وإليه ينتسب اليهود فيقولون: إسرائيليون، وفي أيامه انتقلت أسرته إلى مصر كما سيأتي.
وتزوج يعقوب من ابنتي خاله بعد أن أقام في خدمته أربع عشرة سنة، وولد له منهما ومن سريتيه أحد عشر ابنا وابنة واحدة وأحد أولاده يوسف الذي نقم عليه إخوته فباعوه من تجار مصريين، وهؤلاء جاءوا به إلى مصر، فكان في خدمة أحد موظفي حكومتها، ثم سجن ظلما وعدوانا، لكنه عاد فأطلق سراحه ودخل في خدمة فرعون حيث أصبح ثانيه في السلطة، وله حديث طويل مع إخوته ليس هذا محله، وأخيرا أرسل فأتى بأبيه وإخوته إلى مصر فأقطعهم فرعونها جزءا من الدلتا فاحتلوه وأقاموا هناك زمانا طويلا في عيش رغيد قائمين على رعاية السائمة والزراعة في بقعة من أخصب بقاع الأرض، لكن الزمان أبى إلا معاندتهم، فقلب لهم ظهر المجن إذ تغيرت الأسرة الحاكمة في مصر، وقام بعدها ملوك كرهوا الإسرائيليين فأذلوهم واستعبدوهم وسخروهم في بناء المدن والقصور وأصروا على قرضهم، فأمر فرعون بذبح الذكور من المولودين واستحياء الإناث، وفي ذلك العهد ولد موسى وتلطفت أمه في الحيلة حتى نجا من الموت، واتخذته ابنة فرعون ابنا لها فربته في قصر أبيها حتى شب فدرس علوم المصريين وحكمتهم وآدابهم حتى حذقها وبرع فيها.
2
الفصل الثالث
موسى والخروج من مصر
قضى الإسرائيليون في مصر نحو أربعمائة سنة ذاقوا في خلالها حلاوة رغد العيش وصفائه، وتجرعوا مرارة الذل والاستعباد، فبعد أن قبلهم الفراعنة على الرحب والسعة وأقطعوهم الأراضي الخصبة لهم ولمواشيهم عادوا فانتقضوا عليهم واستبدوا بهم وأقروا على قرضهم من مصر، فاتخذوا لذلك جميع الوسائل من مثل تشغيل الرجال بالأشغال الشاقة، وقتل الذكور من المولودين فيهم، ولا يعلم بالتأكيد أي الفراعنة بدأ بظلمهم والجور في معاملتهم، وإنما يظن كثيرون من علماء الكتاب أنه آمس (أموسس) الأول، وهو أول ملوك السلالة الثامنة عشرة، وقال بعضهم: بل هو رعمسيس الثاني (الملك الثالث من الأسرة التاسعة عشرة)، وهو سيزوستريس اليوناني صاحب الغزوات المشهورة والمباني الفخيمة.
ولما شب موسى ورأى ما يحيق ببني جنسه من الإرهاق والظلم وما يقاسونه من صنوف العذاب، ثارت في صدره النخوة الجنسية وهاجته العصبية إلى الانتصار لهم، فأخذ يطوف بينهم لعله يرى بابا للفرج، ورأى مرة أحد الوكلاء المصريين يضرب إسرائيليا ضربا مبرحا، فانتصر للإسرائيلي وقتل المصري، ولما شاع الأمر وخشي أن يناله عقاب القاتل، فر إلى أرض مديان، وهي في البرية واقعة عند خليج العقبة إلى طور سيناء، فتزوج فيها بابنة يثرون كاهن المكان، وأقام هناك أربعين سنة، وجاء في التوراة أن الله ظهر له في طور سيناء وأمره بالعودة إلى مصر لإنقاذ بني إسرائيل، وأظهر له من العجائب ما أثبت به قدرته وأتى إليه بأخيه هارون، فعاد الاثنان إلى مصر وبذلا جهدهما في إقناع فرعون؛ كي يأذن للإسرائيليين في الخروج من بلاده إلى حيث يعبدون إلههم، فلم يذعن لمطالبهما، وأخيرا أمرهما الله بأن يضربا مصر بالضربات العشر المشهورة، ففعلا حتى إذا ما عيل صبر المصريين أذن فرعون للإسرائيليين في مغادرة بلاده، فخرجوا منها وفيهم ستمائة ألف مقاتل ما عدا النساء والأولاد، ولما انفصلوا عن المصريين ندم هؤلاء على ما فرط منهم، إذ تركوا عبيدهم يفلتون من أيديهم فتبعوهم حتى أدركوهم على شاطئ البحر الأحمر، فخاف الإسرائيليون من المصريين لقرب عهدهم بظلمهم واستبدادهم، فشق الله البحر الأحمر وعبروا فيه على اليابسة، ولما حاول المصريون اللحاق بهم عاد البحر، فاتصلت أمواجه وطمت عليهم فأغرقت جيشهم.
1
ولم تنته علاقات الإسرائيليين بالمصريين عند الخروج، فإنه بعد قيام الملكية فيهم عادت المواصلات بين الفريقين، فكان بعضها حبيا سلميا، وبعضها حربيا عدائيا، فمن ذلك أن سليمان بن داود تحالف مع ملك مصر واتخذ ابنته زوجة له، ومنها أن المصريين غزوا أرض كنعان فأخضعوها وقتلوا أحد ملوك الإسرائيليين ثم عادوا مرة أخرى فأعانوهم على رد هجمات البابليين، هذا فضلا عن الروابط التجارية والصناعية التي كانت بين البلادين، كما ورد في أخبار ملوك بني إسرائيل، فقد كانوا يأتون بالخيل ونحوها من مصر، ويصنعون فيها المركبات، ثم إن مقام الإسرائيليين في مصر زمانا طويلا كالذي أشرنا إليه أثر في أخلاقهم وعاداتهم وأساليب معيشتهم، والظاهر أنهم تناولوا الشيء الكثير عن المصريين الذين كانوا في أوج مجدهم، ومنتهى عزهم وسؤددهم حتى كانوا أرقى الأمم المعروفة في ذلك العصر وأشهرها في العلوم والمعارف، وقد بدا شيء من هذا التأثير في الإسرائيليين أيام كانوا في البرية والتيه، كما يرى من مراجعة أخبارهم المدونة في سفر الخروج من التوراة.
الفصل الرابع
Halaman tidak diketahui
بعد الخروج
انتهى بنا الكلام في الفصل السابق إلى خروج الإسرائيليين من مصر على الأسلوب المذكور في التوراة، وقد كان تاريخهم إلى هذا الحد قصة أسرة صغيرة أخذت تنمو وتزداد حتى صارت قبيلة كبيرة لا كيان لها ولا حكومة منها ولا شارع أو وازع منها ينظر في أمورها ويرد قويها عن ضعيفها، متفرقة في أرض مصر، عرضة للعبودية والسخرة والاستبداد والإهانة، أما بعد الخروج فإنهم تألفوا شعبا واحدا وأمة واحدة، لها قائد من بنيها وجيش يقوم على حمايتها، وحاكم يتولى أمورها وشئونها، وأخذت تبدو فيها صفات الأمة المستقلة، فإنها لم تكد تغادر مصر حتى بدأ الشارع في سن النواميس والقوانين والشرائع الدينية والأدبية والمدنية، كما تكون في الأمة المستقلة القائمة بنفسها، وعليه فتاريخ الإسرائيليين لا يبتدئ حقيقة إلا بعد الخروج، وتاريخهم هذا يستغرق قرونا عديدة اتفق لهم في خلالها كثير من الحوادث العادية من حروب وتقدم وانحطاط وأصابهم شيء من الوقائع الكبيرة التي اتخذناها حدودا في قسمة تاريخهم إلى أقسام ستة يفصل القسم الواحد عن الآخر حادثة خطيرة من حوادث وجودهم:
القسم الأول:
من الخروج من مصر إلى تأسيس مملكة شاول، أي: من 1491-1905 قبل الميلاد، الموافقة سنة 2448 إلى سنة 2882 عبرية.
القسم الثاني:
من تأسيس المملكة إلى انقسامها إلى مملكتي يهوذا وإسرائيل من 1095-975ق.م، الموافقة سنة 2882 إلى سنة 2964 عبرية.
القسم الثالث:
من انقسام المملكتين إلى السبي إلى بابل، أي: سنة خراب بيت المقدس الأول من 975-588ق.م، الموافقة سنة 2964 إلى سنة 3338 عبرية.
القسم الرابع:
من السبي إلى بابل إلى الفتح الروماني، أي سنة بناء بيت المقدس ثانية 588-63ق.م، الموافقة سنة 3338 إلى سنة 3408.
Halaman tidak diketahui
القسم الخامس:
من الفتح الروماني إلى خراب أورشليم، أي: سنة خراب بيت المقدس الثاني 63ق.م-70 بعد الميلاد، الموافقة سنة 3408 إلى سنة 3828 عبرية.
القسم السادس:
من خراب أورشليم إلى عصرنا الحاضر، أي: من حين شقوا عصا الطاعة على الرومان، فأتاهم فسبسيان وابنه تيطس فأخربا أورشليم ودكا معاقلها وحصونها، ومزقا شمل اليهود كل ممزق، فتفرقوا في بلاد الله وانتشروا في أطراف الأرض. (1) القسم الأول
فلما خرج الإسرائيليون من مصر وعبروا البحر الأحمر ساروا في البرية الواقعة جنوبي فلسطين نحو أربعين سنة أنزل الله في خلالها الشريعة على موسى، فبين فيها كيفية عبادته وشرح لهم معاملاتهم وأعيادهم ومواسمهم وذبائحهم وتقدماتهم وأنواع الجرائم والذنوب والقصاص الذي ينال من يقترف هذه الذنوب والجرائم كما ستراه مفصلا في بابه، وأهم ما أنزل على موسى في طور سيناء الوصايا العشر التي يصح اتخاذها بمثابة دستور لعقائدهم وقاعدة لإيمانهم، وسنأتي على ذكرها في الكلام على ديانتهم.
وأصابهم في مدة تيههم هذا أمور ومحن كثيرة يضيق بنا المقام عن استيفائهما أخصها فناء الجيل الذي خرج من مصر إلا رجلين فقط وقيامهم على موسى وهارون أخيه يطلبون العودة إلى مصر واطراحهم عبادة الله والاستعاضة منها بعبادة الأوثان، فنزلت بهم الضربات والأمراض حتى تابوا، ولما صاروا على مقربة من أرض الموعد توفي موسى وعهد بالقيادة إلى يوشع بن نون غلامه، فدخل هذا بالإسرائيليين إلى أرض فلسطين من الجهة الشرقية وحارب الأمم المقيمة فيها، فغلبهم على ملكهم واستباحهم قتلا ونهبا وقسم أرضهم بين جزء من شعبه، ثم عبر الأردن وحارب من بقي من شعوب كنعان السبعة، فغلبهم أيضا، وهكذا حتى انتشر الإسرائيليون في أكثر الأرض واستعبدوا أهلها.
ولما مات يوشع تولى أمورهم قضاة منهم نشئوا فيهم واشتهروا بأعمالهم الحربية وبسالتهم، فكانوا يفصلون الخصومات بين الشعب أيام السلم ويتولون الأحكام ويدفعون عنه شر الغزاة الذين كانوا يغيرون على البلاد آونة بعد أخرى.
وبلغ عدد هؤلاء القضاة 15 أولهم عثنئيل الذي خلص الإسرائيليين من ملك آرام النهرين وآخرهم صموئيل الذي كان نبي الله وهو الذي خلصهم من قبضة الفلسطينيين، ومن أشهر هؤلاء القضاة أهود وشمجر وباراق وجدعون ويفتاح وشمشون الجبار، وسيأتي الكلام على بعضهم في ذكر مشاهير اليهود من الجبابرة وغيرهم، وكانت مدة حكم هؤلاء القضاة بعد موت يشوع 450 سنة كانت البلاد فيها أشبه شيء بولايات متحدة في كل ولاية سبط من الأسباط الاثني عشر يحكمه كبار العشائر فيه، وهذه الأسباط جميعا مرتبطة برباط واحد أعني به عبادة الإله الواحد والاتحاد معا في دفع العدو المفاجئ أو رد الغزاة، وكانوا يشتركون في الحفلات الدينية الكبرى على أنهم كثيرا ما ارتدوا عن عبادة الله إلى عبادة الأصنام، وفي التوراة أن ذلك كان سببا لتسلط الأجانب عليهم، فكان لهم من قضاتهم هؤلاء قواد يلمون شعثهم ويجمعون شملهم ويسيرون بهم إلى الحرب، فيطردون الأجانب ويطهرون البلاد من الأرجاس والأدناس، ولم يكن لهم شيء من امتيازات الملوك ولا أبهتهم، فإذا وضعت الحرب أوزارها عادوا إلى بيوتهم وعاد الشعب كل إلى مدينته أو قريته، ومن القضاة من انحصر عمله في رد غارة أو دفع عدو، ومنهم من تولى الحكم طول حياته لحكمة فيه وخبرة ميزتاه عن بني عصره، فاعترف له الإسرائيليون بالولاية وفرغوا إليه في فض مشاكلهم وحسم منازعاتهم فيقضي بينهم بحسب شريعة الله وبحسب ما يوحيه إليه التقليد والعقل السليم.
لكن هذا النمط من الحكومة كاد يؤدي إلى الفوضى، ولا سيما في أيام صموئيل، فإن ابنيه لم يكونا متخلقين بأخلاقه، فقام الشعب يطلب صموئيل باختيار ملك يضم شتاتهم ويتولى أمورهم أسوة بالشعوب الأخرى المحيطة بهم فعارضهم صموئيل في بادئ الأمر وأفهمهم أن في الملكية استعبادا لهم ولبنيهم من بعدهم، وعدد لهم ما للملك من الحقوق والامتيازات التي ترفعه عن بني جنسه وتجعله في مصف آخر، فألحوا عليه بانتقاء ملك رغما عما أبداه لهم من النصح، ولا يبعد أن ما شاهدوه من أبهة الملك وزخرفه في الشعوب المحيطة بهم شوقهم إلى الاقتداء بهم وتمليك ملك عليهم، وظنوا أن في حصر السلطة في يد واحد منهم فوائد للأمة لا تحرزها إذا ظلت تلك السلطة متفرقة بين كثيرين ولا قاعدة لانتقالها من واحد إلى آخر، كما كان الأمر في أيام القضاة فلما أعيا صموئيل أمرهم جاراهم على هواهم، واختار لهم ملكا شاول بن قيس من سبط بنيامين، وكان طويل القامة حسن المنظر، فلقيه صموئيل وأخذ قنينة الدهن المقدس وصبها على رأسه ومسحه ملكا.
1 (2) القسم الثاني (2-1) الملوك
Halaman tidak diketahui
تأسست الملكية اليهودية سنة 1095ق .م، وانتهت بسبي اليهود وخلع صدقيا آخر ملوكهم سنة 588ق.م، فتكون مدتها 509 سنوات.
وبعد أن مسح صموئيل شاول وأقنعه أنه سيكون ملكا على إسرائيل ذهب إلى المصفاة، وهي مكان اجتماعهم العام وأرسل فدعا الشعب ليوافوه إليها، فلما اجتمعوا أعلن لهم اختياره شاول ملكا عليهم ثم أوقفه بينهم، فإذا به أطولهم قامة، ففرح به الشعب ونادوا به ملكا عليهم، ولم يطل به الأمر حتى ظفر بالعمونيين فتضاعف سرور الشعب به لذلك، وبالغوا في إكرامه وعيدوا عيدا لجلوسه ذبحوا فيه الذبائح وأقاموا الألعاب، وأمره الله أن يحارب العمالقة ووعده بأن يدفعهم إلى يده وأمره أن لا يبقي على أحد منهم، وأن يبيد جميع مواشيهم فحاربهم وانتصر عليهم، لكنه عفا عن ملكهم أجاج ولم يخرم الغنم والبقر والماشية، فغضب الله عليه ونزع منه الملك وأعطاه لداود.
ثم أصيب بالسويداء فتبدلت أخلاقه واستولت عليه الهموم والمخاوف، فأضاع رشده وحدث في أخريات أيامه أن الفلسطينيين جيران اليهود وأعداءهم الألداء جمعوا جيشا كثيفا وتقدموا يريدون غزاة الإسرائيليين، فلقيهم شاول بجموعه وهو يحسب لتلك الحرب ألف حساب ولما التحم الفريقان انكسر الإسرائيليون وقتل أبناء شاول الثلاثة وجرح جرحا بليغا، فلما خشي أن يقع في الأسر سقط على سيفه فمات، وانهزم الإسرائيليون شر هزيمة.
وبقي شاول ملكا إلى يوم قتله فحكمه منفردا دام سنتين فقط.
وتولى الملك بعده داود وهو النبي الشاعر والبطل الباسل صاحب جليات جبار الفلسطينيين الذي أذاق الإسرائيليين مرارة الذل وهو يدعو فرسانهم وجبابرتهم كل يوم إلى النزال، وقد ارتعدت فرائص الأبطال منه فنازله داود بمقلاعه ورماه بحجر فقتله به، ثم انقض عليه فاحتز رأسه وأنقذ الإسرائيليين، وصاهر شاول بعدئذ فتزوج ابنته، وخطب يوناثان ابن شاول وده فعاشا صديقين حميمين أو أخوين حبيبين حتى ضربت بصداقتهما الأمثال، ولما سقط يوناثان قتيلا رثاه داود بأرق المراثي وأشجاها وبكى عليه بكاء مرا، وملك داود سبع سنين ونصف سنة في حبرون (الخليل) على سبط يهوذا، ثم استولى على ما بقي من المملكة وحارب سكان أورشليم وهي بيت المقدس فقهر أهلها اليبوسيين، وامتلكها فجعلها عاصمة ملكه وبنى فيها المباني الفاخرة وشاد الحصون المنيعة، فصارت مباءة الأسرة المالكة ومركز عبادة اليهود، وهي مهوى أفئدتهم اليوم، كما أنها قبلة أنظار المسيحيين.
وحارب داود الأمم المجاورة لبلاده، فظفر بهم في جميع مواقعه، فعظم شأنه وانتشرت صولته وامتدت هيبته في البلاد وسعدت أرض إسرائيل في أيامه، ثم ثار عليه أحد أبنائه فحاربه داود وغلبه، وعقب ذلك فتنتان أخريان كان الظفر فيهما له، وقبل موته عهد بالملك إلى ابنه سليمان وأوصاه ببناء الهيكل وخلف بين يديه الأموال الطائلة والعدة الكثيرة لبنائه، وكانت مدة ملكه نحو إحدى وأربعين سنة، وعلى قمة جبل صهيون اليوم بناء يسمى قبر داود.
وكان شاعرا موسيقيا اتخذه شاول ضارب عود في بيته أيام أصيب بالسويداء، وقد نظم الجزء الأكبر من المزامير وهي آيات في البلاغة والبساطة والرقة، ولا تزال على قدم عهدها وكثرة المنظومات الدينية بعدها منتشرة بين اليهود والنصارى يكثرون من قراءتها، ويطربون لبلاغتها حتى إن بعض طوائف الإنجيليين لا يترنمون في معابدهم إلا بها.
وعقبه ابنه سليمان بويع له بالملك في حياة أبيه كما تقدم، وهو الملك الحكيم الذي ضربت بحكمته الأمثال، واشتهر اسمه في كل العصور والبلدان، حتى إن شهرته تفوق شهرة من غبر من الملوك والسلاطين ممن سبقه أو جاء بعده، وفي عصره اعتز شأن الإسرائيليين وامتد ملكهم من البحر الأحمر إلى نهر الفرات الكبير، وهابتهم الأمم المجاورة لهم، وتزوج سليمان ابنة فرعون كما تقدم، وعقد معاهدة مع حيرام ملك صور وبنى هيكله المشهور فاستجلب مشاهير الصناع والبنائين والنحاتين وأتى بالأرز من جبل لبنان، وأرسل سفنه في الآفاق تجوب البحار فبلغت ترشيش في جنوب إسبانيا، فجاءت منها بالذهب والفضة والعاج والطاووس وأتوا من أوفير
2
بالذهب والحجارة الكريمة والعطورات، وانتشر صيت سليمان في جميع الممالك والبلدان، وسارت بحكمته الركبان فأصبح حكم المشرق وأعظم سلاطينه، وجاءته ملكة سبأ من أقاصي اليمن لتخبر حكمته فرأت منه ما أذهلها وجاء الخبر فوق الخبر، وقد روى الرواة عنها وقائع لا محل لذكرها هنا، وكان سليمان حكيما شاعرا نطق بألوف من الأمثال التي تدل على مبلغ إدراكه وسمو معارفه وفرط بلاغته، وله من الشعر نشيد الإنشاد، وهو من أرق ما قيل في الغزل وسيأتي الكلام على حكمته وشعره في الفصل الخاص بذلك، وكانت مدة حكمه أربعين سنة ذاق فيها الإسرائيليون الهناء والرخاء، وكرعوا كئوس المسرات والنصر، ورزقوا السعد، حتى إن عصره ليحسب العصر الذهبي لأمتهم؛ لأن المملكة كانت في أشد عنفوانها مرهوبة الجانب، محترمة من الملوك والأمراء، وتقدمت الصنائع تقدما عظيما بما شاد سليمان من المباني الفاخرة كالهيكل والقصر والمدن الكثيرة والمعاقل والحصون، ولما زاد غنى الشعب المادي أخذوا بالاهتمام بالكماليات، كما يرى من مراجعة أخبارهم لذلك العهد على ما هو مدون في التوراة.
Halaman tidak diketahui
وتوفي سليمان سنة 975ق.م بعد أن حكم أربعين سنة وخلفه ابنه رحبعام فأبدى جهلا بأساليب السياسة وإدارة المملكة، وشدة في موضع الرخاء معتمدا على مشورة الأحداث من أتباعه وأهل بيته، نابذا مشورة الشيوخ ذوي الخبرة والحكمة، مما أدى إلى انقسام المملكة الذي كان من أعظم أسباب ضعفها وذلها، فانفصل عشرة من الأسباط عنه في مملكة دعوها مملكة إسرائيل عاصمتها في السامرة،
3
وظل سبطا يهوذا وبنيامين مع رحبعام باسم مملكة يهوذا عاصمتها أورشليم، وخسر الإسرائيليون ما كسبوه من البلدان المجاورة كبلاد العمونيين، وضعف شأن التجارة وانحطت الصناعة وارتد فريق كبير من الإسرائيليين عن عبادة الله إلى عبادة الأوثان.
وظلت مملكة إسرائيل في الوجود نحن مائتين وخمسين سنة تولى عرشها في خلالها 21 ملكا، وفي سنة 740ق.م، سبى تغلث فلأسر ملك آشور الأسباط الساكنة شرق الأردن، وهي رءوبين وجاد ومنسى، وفي سنة 721ق.م، غزا سرجون ملك آشور مملكة إسرائيل فاستولى على السامرة وسبى الأسباط الباقية وأجلاهم عن أوطانهم إلى ما وراء الفرات، وهكذا انقضى أجل تلك المملكة فلم يقم لها قائمة بعدها.
أما مملكة يهوذا فعاشت أكثر من أختها وتعاقب عليها 21 ملكا، فحاربها سنحاريب ملك آشور سنة 713ق.م، وارتد عنها خائبا بعد أن هلك أكثر جيشه ، ثم غزاها الآشوريون ثانية سنة 677ق.م، فتغلبوا عليها وأسروا الملك منسى ونقلوه إلى بابل، وفي سنة 610ق.م اجتاحها نخو فرعون مصر فظفر بجيوشها وقتل ملكها يوشيا، وكان اضمحلالها على يد نبوخذ نصر ملك بابل المشهور؛ فإن هذا الغازي جاءها سنة 606ق.م فاستولى على أورشليم وصارت مملكة يهوذا تؤدي له الجزية، ولكن الملك يهوياقيم ثار عليه، فأعاد عليهم الكرة سنة 599 وأجلى منهم عشرة آلاف أسير من أعيانهم وأشرافهم، وحمل كنوز الهيكل والبلاط الملوكي وتحفهما، ثم إن صدقيا ملك يهوذا ثار عليه سنة 593 فعيل صبره وعزم على خراب تلك البلاد فأتاها سنة 588، فأخذ أورشليم ونهبها وهدم أسوارها وأحرق الهيكل واستاق الشعب إلى الأسر في بابل، وظلت الأرض خرابا خمسين سنة، فكانت مدة مملكة يهوذا نحو أربعمائة سنة.
جدول: ملوك إسرائيل قبل انقسام المملكة ومن عاصرهم من ملوك الأمم الأخرى.
اسم الملك
مدة حكمه
من عاصره من ملوك الأمم الأخرى
تاريخ عبري
Halaman tidak diketahui
سنة قيامه قبل الميلاد
شاول
سنتان *
2882
1095
داود
40 سنة
2884
سليمان
40 سنة
Halaman tidak diketahui
رزون ملك سورية
2924
1000 *
بقي شاول ملكا أربعين سنة إلى يوم وفاته، ولكن الملك نزع منه بعد مسحه بسنتين وأعطي لداود، ولذلك حسبنا مدة ملكه سنتين فقط.
ملوك يهوذا بعد انقسام المملكة.
اسم الملك
مدة حكمه
تاريخ عبري
من عاصره من ملوك الأمم الأخرى
سنة قيامه قبل الميلاد
Halaman tidak diketahui
من سنة
إلى سنة
رحبعام
17 سنة
2964
2981
شيشق ملك مصر
975
ابياه
3 سنين
Halaman tidak diketahui
2981
2983
958
آسا
41 سنة
2983
3024
زارح الحبشي
955
يهوشافاط
Halaman tidak diketahui
25 سنة
3024
3047
914
يهورام
8 سنين
3047
3055
بنهدد الثاني
898
Halaman tidak diketahui