Sejarah Falsafah Secara Global
تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية: آخر نص كتبه الفيلسوف كارل ياسبرز
Genre-genre
هناك شيء واحد غير محدد - متعلق بالوضع الإنساني، والوجود، والعلو - يخاطبنا من ثنايا التاريخ العالمي ويشدنا إليه، دون أن نتمكن من الإمساك به بصورة مباشرة، ولهذا نسأل أنفسنا: كيف نتوصل إلى هذا الشيء الواحد من خلال ما هو عالمي، ما دمنا لا نطلب هذا الأخير إلا من أجله؟
إن التفكير الفلسفي - بكل ما يتسم به من التشتت واتساع الرقعة - يتجه نحو تفهم الأصيل تفهما حقيقيا. ولا بد لهذا السبب أن يكون تاريخ الفلسفة جذريا؛ فتتبع جذور الأفكار هو الذي يمكنه من فهم فروعها، وكلما تقدم هذا البحث اتضح أن الوجود يتجلى في العالم بصور مختلفة وأساليب متباينة، فهناك عدة لغات أولية تعبر عن الأصول الفلسفية، لدينا بالمعنى الحرفي اللغات الهندو-أوروبية واللغات الصينية، ولدينا بالمعنى المجازي الأشكال الأساسية للمقولات العقلية ورموز الكتابة بالشفرة.
غير أن هذه الأصول الفلسفية المتجاورة ليست منقطعة الصلة فيما بينها؛ فتعدد الأصول يتيح للناس من كل مكان أن يحتكوا بعضهم ببعض عبر جسور التاريخ، وأن يتبادلوا الأفكار ويفهم بعضهم بعضا، وتنشأ بينهم أواصر قرابة تربطهم بالأصل - على الرغم من اختلاف ظواهره؛ قرابة تجمع بين كل أولئك الذين مروا في حياتهم وفكرهم بتجربة تجلي الوجود، وعرفوا كيف يعبرون عن هذه التجربة وينقلونها إلى غيرهم. والواقع أن كثرة الأصول التاريخية لا تحول دون التواصل بل تجعله أمرا مطلوبا؛ فالحقيقة تتوق دائما إلى التعبير عنها، وتتجه بندائها إلى الآخرين، وتنتظر الجواب منهم، وتضع نفسها منهم موضع الاختبار. والتنافر الشديد بين اللغات المختلفة التي تعبر عن الأصل يدفعهم إلى اللقاء والمواجهة. ويمكن أن يمتد التواصل ليشمل الأرض بأسرها، وذلك بقدر ما يستيقظ الوعي بوحدة البشرية في ضمير كل إنسان، بل يبدو أن كل الحركات العقلية تستمد أهميتها من حتمية كونها مسألة تهم البشرية جمعاء.
إن العالمية هي الاستعداد لهذا التواصل والقدرة عليه، والدولة أو المجتمع الذي يغلق حدوده في وجه إبداعات المجتمعات الأخرى في الفكر والعلم والدين والفلسفة والفن أو يحرمها من إبداعاته هو مجتمع أنكر إنسانيته. عندئذ تتصدع الإنسانية، وتفقد القدرة على سماع صوتها وفهم ذاتها. والواقع أن عملية التواصل التي تعبر عن القدرة العالمية على تلقي التأثير الروحي وممارسته عملية ذات مستويات متنوعة ومعاني متعددة. (أ)
إننا نفهم ماهية الشيء الجزئي فهما أعمق إذا عرفنا شيئا آخر نقارنه به ونضعه في مقابله، بحيث تظهر أوجه التباين بينهما، والمقارنة هي التي توجه الرؤية وتثير التساؤل. وكلما اتسعت آفاق المقارنة اتضحت نقط الالتقاء والافتراق، وظهرت عوامل الاختلاف والاتفاق.
إنني أقارن ما هو خاص بي بما هو غريب عني، وأحاول عن طريق هذه المقارنة أن أنظر إلى أفكاري بأقصى حد ممكن من التجرد. وبهذه المقارنة تتدرب عيني على اكتشاف أنواع التحيز فيما أسلم به كأنه أمر بديهي. وتتضح هذه التحيزات عندما أقابل بينها وبين ما هو غريب عني. فالفكر الصيني على سبيل المثال يمكنه أن يحررنا، على الرغم من أنه هو نفسه ظل أسير أفكار مسبقة عن العالم لم يستطع التخلص منها.
بيد أن المقارنة بين ما يجيء مني وما يأتي من مصدر أجنبي عني تقتصر دائما على ما تم إبداعه والتفكير فيه، وما أريد قوله أو تصوره، ولا تنصب أبدا على الأصل. تلك هي حدود المقارنة. فهي تتطلب النظر من الخارج، وتقتضي الوقوف من بعيد، فإذا تعلق الأمر بالوجود الأصيل الحميم أصبحت المقارنة من المحال، وإذا حاول المرء القيام بها أضاع وجوده وفقد صدقه. إنني هنا لا أنظر من الخارج، وإنما ألتمس الأساس التاريخي الذي تقوم عليه إنسانية واحدة شاملة. وأنا لا أريد أن أتحول إلى كائن محدود ضيق الأفق، وإنما أحاول - بقبول الوضع التاريخي لوجودي - أن أكون إنسانا ممتد الجذور إلى أعماق هذا الوجود، غنيا بمضمونه. وليس يكفيني كذلك أن أميز نفسي عما هو غريب عني، وإنما أطمح إلى استيعابه وتمثله، وأتواصل معه لكي أعارضه وأتحد به في آن واحد؛ فلا أنا أقلده، ولا أنا أنكره، بل أسعى إلى صحبته على الطريق المؤدي إلى قلب التواصل. (ب)
ربما صور لي الظن أني بالغ هذا كله بالفهم، فأنا أفهم ما لا أحتاج أن أكونه أو أصير إليه. وباستطاعتي أن أفهم أفلاطون دون أن أكون أفلاطون. والفهم يمكنني من مشاركة غيري في الموضوعات التي يفكر فيها، والدوافع التي يصدر عنها، والمشاعر التي يحسها، والانفعالات التي يجيش بها وجدانه. والفهم - أو بالأحرى التفهم - أداة صالحة لإدراك حركات النفس، والعقل، والوجود. وإذا فهمت غيري ووجهت جهدي نحو الإنسانية بأسرها فقد صرت عالميا، وشعرت كأني في كل مكان في بيتي.
لكن الأمر في الواقع ليس كذلك.
فالاعتقاد بأنني أصبحت كل شيء لمجرد أنني فهمت كل شيء لا بد أن يلغي ذاتي ويردني إلى نقطة اللاوجود والملاحظة الصرف، ويحيل حياتي إلى شيء عرضي لا مطلب له ولا مصلحة فيما يفهمه. كما أن الفهم نفسه يضيق أفقه ويزداد شحوبه كلما قل وجودي أنا نفسي، هنالك يفلت مني الآخر في الوقت الذي اعتقدت فيه أنني فهمته وأصبحت قادرا على التصرف فيه، وربما صورت لي معرفتي المزعومة - حين أشبهها تشبيها خاطئا بالمعارف التي تقدمها العلوم الطبيعية - أنني أستطيع أن أستخلص منها مناهج فعالة وصالحة للتحكم في الجماهير والسيطرة على شعوب أخرى وأناس آخرين يحيون حياة تاريخية مختلفة عن حياتي.
Halaman tidak diketahui