وإنما هو ترك الشر مطرحا
ونفضك الصدر من غل ومن حسد
ولكن يجب أن أقول إن ديانتي - من الناحية الغيبية - تشبه بل تطابق ديانة سبينوزا. أي إن المادة والقوة شيء واحد ليس بينهما انفصال. وكذلك الشأن في العقل والجسم.
وليست هناك نهضة عالمية - كالثورة على المظالم أو التجديد للمبادئ أو الدعوة إلى الإخاء والمساواة والحرية - إلا وهي تسير على الأسلوب الديني. حتى لتتجاوز المنطق إلى الإيمان، وتسرف وتشط في ناحية الغيرة والتضحية والحب ضد الأنانية والاستئثار والبغض. فهي ملهمة بالروح الديني، ولن تنجح إلا به. ولذلك كثيرا ما نجد الدعوة إلى الاشتراكية الحزبية تستحيل إلى دعوة دينية عالمية تغمرها الحماسة ويتغلب فيها الإيمان. وحركتنا نحن في مصر في سنة 1919 لم تنجح إلا بمقدار ما كان فيها من الحماسة والإيمان أي بمقدار ما كان فيها من طرب الدين. وهي لم تتقهقر إلا بمقدار ما فقدت من هذا الطرب الديني بتفشي الأنانية والاستئثار والبغض.
ولن تعود دعوتنا الوطنية في مصر، دعوة الحرية والإخاء والمساواة إلا إذا أحدثت لنا - كما كانت تحدث في سنة 1919 - طربا دينيا يتألف من الحماسة والإيمان والحب والتضحية.
وأخيرا يجب أن نقول حين نتكلم عن ديانتنا، كما يقول أندريه جيد: «لست كائنا أبدا؛ إنما أنا صائر.» وبكلمة أخرى يجب ألا نجمد ونستقر، بل ننمو ونتطور، وندأب في استخلاص الحقيقة من المعرفة.
هذا العمر
سن الستين أشبه الأشياء بالقمة نقف عليها في سياحتنا على هذا الكوكب ونسائل: ماذا أفدنا من الماضي، وماذا ننتظر من المستقبل؟ وفي أعماق العقل الكامن وسوسة كأنها لغط في النفس: سن الستين هي سن الإقالة، يجب أن تقال أنت من الحياة.
وفي هذا العام 1947 الذي أتم فيه هذه السن أجدني قد أخرجت كتابا «كيف نسوس حياتنا بعد الخمسين» وكأنه احتجاج على الشيخوخة، ولو أن مي كانت حية لقالت لي على عادتها: ها أنت ذا تتشاءم وتحاول أن تتفاءل، تحس الضعف فتتخذ القوة.
ولكني كنت أجيب بأني ما زلت أحس حماسة الروح بل غلواءه، وإني أستطلع الدنيا كما لو كنت طفلا. وحسبي هذا برهانا على أني بعيد عن الشيخوخة.
Halaman tidak diketahui