Terjemahan Mesir dan Barat

Muhammad Husayn Haykal d. 1375 AH
68

Terjemahan Mesir dan Barat

تراجم مصرية وغربية

Genre-genre

وكما تدهشك أن تكون حرفة شكسبير الحقيرة سبب هذا المجد العالمي، فقد يدهشك كذلك أن تعلم أن ظرفا آخر لا يد له فيه قد عاون الشاعر في عمله، ذلك أن اضطرابات العاصمة الإنجليزية أدت إلى إقفال مسارحها ما بين 1592 و1594، وإذ كان شكسبير قد بدأ يولع بالنظم والتأليف ووجد من معونة بعض ذوي النفوذ ما أغناه عن اتباع الفرق التمثيلية في تجولها، فقد ظل مدى هاتين السنتين مكبا على دراسة اللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية، مكبا على النظم والتأليف، وخلالهما استشف مظاهر نبوغه وعبقريته وميوله التمثيلية، فكتب في أبريل سنة 1593 قصيدة فينس وأدونيس

Venus and Adonis

كما كتب في مايو سنة 1594 رواية لوكريس وأهداها إلى لورد سوذامبتون، ويقال إن اللورد شجعه على الاستمرار في عمله وأعانه بألف جنيه دفعها له، فمكنه من زيارة شمال إيطاليا وإتقان لغتها التي كان قد بدأ يدرسها في لندن، والوقوف على كثير من الأساطير الإيطالية التي استعان بها في رواياته، وفي أثناء زيارة إيطاليا بدأ يكتب مقطوعاته التي نشرت بعد ذيوع اسمه، والتي أهدى أكثرها إلى لورد سوذامبتون كما جعل يؤلف للمسرح روايات أمل في تمثيلها بعد انقضاء الاضطرابات وعود الحياة الهادئة إلى عاصمة بلاده.

وفي صيف سنة 1594 فتحت دار التمثيل أبوابها وعاد شكسبير إلى المسرح وبدأ يقدم رواياته للتمثيل، ولم تكن قوة هذه الروايات لتخفى على أحد خصوصا أنها كانت تمثل حياة ذلك العصر وأخلاقه أدق تمثيل؛ لذلك لم يلبث شكسبير أن حاز من ذيوع الصوت ما خلع عليه اسم الممثل البارع، وإن كانت براعته الحقة في تواليفه، وكان من أثر ذلك أن شارك شكسبير بنصيب في أرباح مسرح (الجلوب) الذي كان يشتغل فيه، فاستطاع بذلك أن يشتري في بلدة ستراتفورد دورا وضياعا وأن يعيش في رغد ونعمة وأن يعيد أباه وأهله إلى حب الحياة، وكما يسرت شهرة شكسبير له سبل العيش فقد فتحت أمامه أبواب العظماء وأنالته عطف الأسرة المالكة، ورفعت بذلك من مقام التمثيل والممثلين الذين كانوا قبل ذلك بمكان من الضعة والحقارة، يشعر الإنسان به حين يقرأ من مقطوعات شكسبير ما كتبه في أثناء مقامه بإيطاليا وما فيه من برم بالحياة وألم لازدراء الناس مهنة لم يكن له كي يكسب العيش مفر من احترافها، وزاد المهنة رفعة أن مثل شكسبير في حضرة الملكة إليزابث وأن نال من عطفها، وإن يك قد تنكر بعد ذلك لها حتى لم تذرف عليها عينه دمعة عند موتها ولم تتحرك شاعريته بعبارة ألم لرثائها.

وبقي شكسبير يؤلف في السنة الواحدة الرواية والروايتين ويمثلها مع زملائه الذين كانوا وإياه على خير وفاق، وقد أثار تاريخ تأليفه كل رواية من رواياته مباحث شتى حتى وضع (أومندمالوني) كتابا سماه «محاولة لتحقيق الترتيب الذي كتبت به روايات شكسبير». (An attempt to ascertain the order in which the plays of Shakespeare were written.)

كذلك أنكر بعض النقاد نسبة بعض الروايات له كما أنكر بعضهم وجوده.

وفي سنة 1610 اعتزل المسرح وترك لندن إلى ستراتفورد حيث عاش عيشا هادئا مكتفيا بما جمعه من مال مستمرا مع ذلك في كتابة رواياته، ويذهب بعض مؤرخيه إلى أنه كان مع ذلك يعود إلى لندن الحين بعد الحين ويشترك في تمثيل بعض الروايات حتى احترق مسرح الجلوب في 29 يونيو سنة 1613 في أثناء تمثيل رواية هنري الثامن، هنالك انسحب شكسبير إلى قريته ولم تبق له عناية بغير رفاهته، فعاش عيش ذوي اليسار وطلق التمثيل والتأليف جميعا، وجعل يقرض الناس بالفائدة مما أدهش كثيرين ممن كتبوا عنه، قال تين: «خاتمة غريبة تبدو لأول نظرة خاتمة تاجر لا خاتمة شاعر، أفنعزوها إلى هذه الغريزة الإنجليزية التي ترى السعادة في حياة رجل الريف صاحب الملك حسن الإيراد كريم الأصل الحاصل على أسباب الرغد المطمئن بين الناس إلى مكانته واحترامه وإلى سلطته العائلية ومكانته من قومه؟ أم أن شكسبير كان كفولتير رجلا موزونا وإن يك خيالي الذهن يحتفظ بقوة حكمه خلال نشاط شاعريته، حذرا لتشككه مقتصدا لحاجته إلى الاستقلال عن الناس، قديرا - بعد أن يحيط بكل ما مر بخاطر الإنسان - أن يرى مع كانديد أن الخير كل الخير في أن يزرع حديقته؟ أما أنا فأميل لافتراض يدل عليه رأسه المليء المتين، ذلك أنه لكثرة ما أنتج خياله المتموج قد نجا كما نجا جيتي من مخاطر الخيال المتموج، وأنه في تصويره الشهوات قد بلغ ما بلغه جيتي من تخفيف حكم الشهوات إياه، وإن الاندفاع لم يحدث في سلوكه انفجارا لأنه كان يجد في الشعر مصرفا لاندفاعه، وإن رواياته حفظت عليه حياته لأنه ألم من خلالها بكل ما في الحياة الإنسانية من هوس وتعس، فاستطاع أن يجلس بينها وعلى ثغره ابتسامة مطمئنة مكتئبة، وأن يسمع ليسري عن نفسه هذه الموسيقى الأثيرية التي أبدعها في رواياته، وأريد أن أفترض أخيرا أنه كان في جسمه مثله في سائر تكوينه، أحد رجال جيله العظيم وعصره العظيم، وأن متانة العضل كانت عنده مثلها عند رابليه وتسيان وميكلنج وروبنز توازي حساسية الأعصاب، وإن الماكينة الإنسانية كانت يومئذ أقوى بناء وأحسن بلاء، فكانت تستطيع أن تقاوم عصف الشهوات واندفاعات الهوى، وإن النفس والجسم كانا ما يزالان متوازنين، فكان النبوغ يومئذ زهرا وثمرة، ولم يكن مثلما هو اليوم مرضا.» •••

قد يكون هذا التصوير الذي فرضه تين لحياة شكسبير صحيحا، لكنه لا يزيد على أنه فرض في رأي تين نفسه، على أنك إذا أردت أن تقف على أسرار شعر شكسبير ورواياته فقد وجبت دراسة ذلك كله دراسة لا يتسع المقام هنا لأكثر من الإلمام بشيء منها إلماما بسيطا.

نشأ شكسبير - كما قدمنا - في العصر الذي عقب الانقلاب الديني الذي قام به مارتن لوثر، وتأثرت به إنجلترا أكثر مما تأثرت به أية أمة غيرها، وكان الذين أخذوا بالمذهب الجديد ما يزالون متأثرين قبل كل شيء بأساسه وهو حرية التفكير، وكان انهيار قيود الكثلكة هو البادي أمام الأنظار، ولم تكن بعد قد تركزت في النفوس قواعد المذهب الجديد تركزا ثبت الإيمان بها تثبيتا يحول دون تحطمها، كما لم تكن خلقت حول المذهب الجديد هذه الأوهام المحسنة التي تهون على الناس عبء الحياة فيخضعون لها طائعين؛ لذلك كله كانت جماعة ذلك العصر في إنجلترا تسيغ الإلحاد ولا تنزعج لإعلانه ولا تضطرب أمام ما يرتبه أصحابه عليه من تقشف أحيانا واستهتار وإباحة أخرى وشك ثالثة، واعتدال في الحياة وفي المتاع بها اعتدالا يبقي عليها ويطيل.

ولعل هذه الظاهرة كانت ذات أثر فيما رأينا من سلوك شكسبير ومن استباحته سرقة الصيد، وهي لا ريب كانت قوية الأثر في رواياته، فأنت ترى فيها من التجديف ومن الغواية، مصبوبين في أجمل قالب وأبهاه، ما لا يحتمله عصر غير عصره الذي كان مجاورا للعصور الوسطى، والذي لم يتخلص من خرافاتها، وإن أباح لنفسه هدم هذه الخرافات.

Halaman tidak diketahui